للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الموت هو بداية الحياة فما أعددنا]

اعلموا يا عباد الله: أن الموت ليس هو النهاية، بل إن الموت هو بداية الحياة الطويلة، هو بداية الحياة البرزخية، هو بداية الحياة التي يقال فيها للناس بعد ذلك: يا أهل الجنة! خلود ولا موت، ويا أهل النار! خلود ولا موت، إذاً: فاستعدوا لما بعد الموت، استعدوا في هذه الأيام ما دمتم في فراغ ولله الحمد والمنة، لم يكونوا منشغلين بفقر أو بمرض أو بسقم أو ببلاء أو بمصيبة، استغلوا شبابكم قبل هرمكم، وجاهدوا أنفسكم قبل أن تغلبكم، وتداركوا أوقاتكم قبل أن تخطفكم الآجال، قبل ألا تنالوا ما تسوفونه وتتمنونه.

أسأل الله جل وعلا أن يمن علي وعليكم بالاستدراك قبل الفوات، والاستعداد قبل الممات:

مضى أمسك الماضي شهيداً معدلا وأصبحت في يوم عليك شهيد

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فثن بإحسان وأنت حميد

ولا ترج فعل الخير يوماً إلى غد لعل غداً يأتي وأنت فقيد

فيومك إن أعتبته عاد نفعه عليك وماضي الأمس ليس يعود

فتداركوا يا عباد الله! تداركوا الأمور قبل الفوات، واستعدوا قبل الممات، إنها والله يا عباد الله لحظات ثم لا يدري الإنسان ولا يستطيع الإنسان الاستدراك، إن الموت يأتي بغتة، إن الأجل يخطف العبد خطفة.

يا غافلاً عن العمل وغره طول الأمل

الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل

اجتهدوا في ملء هذا الصندوق بالأعمال الصالحة، اجتهدوا أن تجدوا أنيساً لكم من أعمالكم يؤانسكم في وحشتكم، ويحادثكم في غربتكم، ويقربكم إلى مغفرة ربكم برحمة خالقكم، اجتهدوا -يا عباد الله- وإنا والله لفي غفلة، وإنا والله لفي شغل عن أمر الآخرة، وإن الكثير من المسلمين لفي إدبار عن دين الله جل وعلا ولا عذر لهم ولا حجة، وقد آتاهم الله جل وعلا من عافية الأبدان، وكثرة الأموال، والبركة في الأرزاق ما لم يؤت أحداً من العالمين، ما جوابهم أمام الله، الكثير منهم يسمع نداء الله، يسمع دعاة الفلاح يؤذنون في كل صباح: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، فلا يهب الكثير منهم، بل يأنسون ويرغبون ويتثاقلون في فرشهم، قد بال الشيطان على نواصي الكثير منهم.

ألا وإن ذلك خطر عظيم، وبلاء على الأمة جسيم.

عباد الله: إن ما نراه ونشاهده في صلاة الفجر خاصة، وهو أن كثيراً من المسلمين لا يشهدون هذه الفريضة مع جماعة المسلمين إنها لمصيبة عظيمة، إنها لبلية كبيرة، ولا تدرون يا عباد الله أن الله جل وعلا قد يحدث عليكم من البلاء والفتن والمصائب بسبب ذنب واحد من الذنوب، فكيف إذا جمعنا على أنفسنا ذنوباً عدة، أليس الكثير منا يتخلف عن الصلاة في جماعة؟ أليس البعض والعياذ بالله لا يعرف الصلاة إلا يوم الجمعة؟ أليس بعض المسلمين يسمع آيات الله تتلى في تحريم أكل المال بالباطل، وأن الله جل وعلا قد آذن آكل المال بالباطل بحرب منه ومن رسوله ومع ذلك يسمونها بغير اسمها، ويأكلون الحرام جهاراً نهارا؟ أفلا يخشون الله؟ أفلا يخافون ربهم الذي خلقهم؟ إن كثيراً من المسلمين قد سخروا نعماً وهبها الله لهم في عصيان الله، ومعاندته ومخالفة أمره، فيا سبحان الحليم العظيم الذي يؤتي العباد آذاناً فيسمعون بها ما يغضبه، ويخلق للعباد أبصاراً فيرون بها ما حرم عليهم، ويؤتيهم من الأيدي والأرجل ما يملكون به بطشاً فيسعون به إلى عصيان الله، سبحان الحليم العظيم، ما أحلم الله على خلقه.

ولكن اعلموا يا عباد الله أن الله سبحانه وتعالى ليملي للظالم ولا يهمله، فإذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر.

نسأل الله جل وعلا أن يتلطف بنا، وأن يمن علينا بالتوبة والاستدراك إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد الإسلام بسوء، وأراد ولاة أمره بفتنة، وأراد علماءه بمكيدة، وأراد شبابه بضلال، وأراد نساءه بتبرج واختلاط وسفور، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

اللهم عليك بالشعوبيين الفرس، اللهم عليك بهم فإنهم لا يصدقون كتابك، ولا يصدقون بنبوة نبيك، ويسبون صحابة نبيك.

اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أهلكهم جميعا، اللهم أحصهم عددا، وأهلكم بدداً ولا تبق منهم أحداً، اللهم لا ترفع سوط عذابك عنهم، اللهم أهلك زروعهم وضروعهم، اللهم انتقم للمسلمين منهم، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف.

ربنا إن عبادك يحجون يلبون لك، وإن غيرهم من الشعوبيين يلبون للزعماء والرؤساء، اللهم اجعل تلبيتهم حسرة عليهم، واصبب سوط عذابك عليهم بقدرتك وجبروتك يا رب السماوات والأرض فإنك عزيز وقوي قادر، وأمرك بين الكاف والنون، وإذا أردت شيئاً فإنما تقول له كن فيكون، لا إله إلا أنت ربنا عليك توكلنا ولا حول ولا قوة لنا إلا بك.

اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى قواتنا، ولا إلى جندنا، ولا إلى عتادنا، وكلنا إلى وجهك الكريم، وبارك لنا فيما عندنا من الرجال والسلاح والقادة والعتاد.

اللهم وفقنا لطاعتك، واعصمنا مما يسخطك، اللهم إنا نسألك أن تحيينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم إنا نسألك توبة قبل الموت، وراحة بعد الموت، ونعيماً وجنةً بعد الموت، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

اللهم آتنا صحفنا باليمين، واجعلنا على حوض نبينا واردين.

اللهم اجعلنا على الصراط من العابرين، اللهم أدخلنا الجنة بسلام أول الداخلين، اللهم بيض وجوهنا يوم تسود وجوه الكفرة والمنافقين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣].

اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا فرجته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لوالدينا واجزهم عنا خير الجزاء، اللهم اغفر لهم ولجميع موتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله وحده لا شريك له يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.