للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية تحبيب الصلاة إلى الطفل واحترام الآخرين]

السؤال

سائل يقول: بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: كيف أحبب الصلاة إلى ولدي والحرص عليها ولو لم أكن بالمنزل؟ وقال أيضاً: كيف أعلم ابني حب المسجد واحترامه وتعظيمه خاصة إذا كان صغير السن، وكذلك كيف أربيه على بر الوالدين وبر والدي -أي: أجداده- واحترام الكبار سواءً كانوا أعمامه أو أخواله أو معلميه أو مدرس حلقة القرآن والمسلمين عموماً عرباً أو عجماً، أفيدونا أفادكم الله؟

الجواب

هذا سؤال جيد أخي الحبيب! كما مر معنا:

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

إذا كان ولدك يراك تهتم بالصلاة اهتماماً واضحاً فإذا سمعت الأذان رميت بكل شيءٍ في يدك، وإن كنت تعرف ما تعمد إليه من قصد الوضوء ولكن تبين للأولاد أنه إذا أذن فهذا الوقت الذي بعد الأذان لا بد أن يكون للاستعداد للصلاة.

هيا جهزوا لي كذا من أجل أصلي، جهزوا ثوبي لأني أريد أن أخرج للصلاة، طبعاً الأم والكبار عارفون؛ لكن من أجل الصغار حتى يعرفوا اهتمام الأب عند الأذان هذه مسألة مهمة، إذا رأوك تبادر لها أسفاً غير راضٍ لأن الصلاة فاتت، أو تكبيرة الإحرام فاتت، يتعلمون هذا منك ويسابقونك -بإذن الله- إلى المسجد، أما إذا رأوا أباهم يُؤذن المؤذن ثم يقول: أريد أن أنام، وإذا بقي على الإقامة خمس دقائق فأيقظوني، ويقول مثلك: أنا أذهب أنام وإذا صلوا قوموني، يتعلم منك تماماً.

كذلك إذا وعاك ولدك وأنت تقبِّل أباك يده، فسوف يقبل يدك وسوف يقبل يد جده، إذا رآك تحترم أستاذك ولا تغتاب المدرس، أو تطلق عليه عبارات التنقص أو الاحتقار أو الدونية أو غير ذلك فهو سيحترم الأستاذ، أما إذا رآك أمام المدرس تقدره وإذا غبت عنه قلت فيه كذا وكذا.

هو أيضاً سوف يحتقره، فالولد ينقل ما سمع، ويصف ما رأى، فانتبه أن يقع على سمعه منك أمرٌ بذيء أو ترى عينه منك ما لا يليق، إذا عودت ولدك على هذا الأمر منذ البداية.

أنا أذكر عندما كنا صغاراً هذا الكلام من قبل ثلاثين سنة، كنا نذكر لنا جيراناً يأتي بهم آباؤهم وعيونهم مغمضة لم يصحوا من النوم بعد، ويدخلون دورة مياه المسجد ويتوضئون فيها ويدخلون المسجد، ومرت السنون وكبر هؤلاء وتزوجوا وجاءهم أولاد، وبعد سنين طويلة انتقلنا من الأحياء القديمة إلى الأحياء الجديدة، وسكنوا أيضاً في الحي الذي نحن فيه الآن، هؤلاء الذين كانت أعينهم لا تكاد تفتح عند دورات المياه يتوضئون في المسجد أولادهم نفس الصورة، يؤتى بهم إلى المسجد ويذهبون لدورة المياه خاصة في غير الشتاء، ويتوضئون ويدخلون المسجد، وتلقى الطفل الذي نراه في هذه الأيام بنفس الصورة التي كنا نرى أباه فيها، لأنه عود على خير فنشأ عليه وشب عليه وكبر عليه، وأنجب ذرية ورباهم على ما تعوده من أبيه، وهكذا التربية وراثة.

بعض الإخوة يقول: أنا تفاجأت عندما رأيت بناتي يقبلون رِجْلَ أمهم، مع أنهم ما رأوني يوماً من الأيام أقبل رجل أمي بمشهدٍ منهم، يعني: ربما كان يزور أمه ويقبل رجلها لكن يقول: كيف انتقل فيهم هذا البر إلى هذه الصفة، وهذا يؤكد فيما يتعلق بالبر أنه دين، فمن بر بوالديه بر به أبناؤه: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) ومن عود أبناءه على شيء تعودوا عليه بإذن الله.

من الوصايا أن الولد إذا أصبح يؤمن تلويثه للمسجد، ويعرف عنه أنه ما يشغل والده ولا المصلين في المسجد، ويسكن مع أبيه وأنه يأتي به ويصلي معه في المسجد، وإذا صلى قال: اذهب سلم على الإمام وحب رأسه، أنت بهذا تنمي في نفسه حب الإمام وحب المسجد منذ صغره قبل أن يعرف الإنترنت والكمبيوتر والأتاري وما يتعلق به، اجعله يتعلق بحلقة القرآن وأغدق عليه من الهدايا، إن كنت مشغولاً دع أمه تختبره، إن حفظت جزء عم أعطيتك مائتين ريال، إن حفظت جزء تبارك لك خمسمائة ريال، قد يقول قائل: من أين نعطيهم هذا الشيء؟ يوجد البعض لا يستطيع لكن الكثير ممن يقول: كيف نعطيه خمسمائة على جزء وهو يصرف ألفاً على الملاهي، ويصرف مئات على معاصي، ويصرف الكثير على أمور لا تنفع أبداً.

يا أحبابي: أشعر أولادك أنك تحبهم، حتى وإن كانوا كباراً، التربية بالحب هذا جانبٌ مفقود، بعض الناس عندنا إذا كبر ولده قليلاً لا يعرف يقبله ولا يحتضنه ولا يضمه ولا يشمه ولا يمزح معه، تصبح علاقة جافة ناشفة، لو يدغدغ ولده قال: لا تمد يدك، وجعله شيئاً مستنكراً غريباً، ما تعود المزاح مع أولاده، صحيح أنهم كبروا لكن لا يمنع أنه يكبر بينكم الصحبة والمودة والمزح والترفيه.

يا أخي الحبيب: أنت تدخل البيت وتمسك أصغر واحد الذي عمره سنة، والباقون لا تسلم عليهم ولا تلتفت لهم ولا تصافحهم ولا تقبلهم، لا يا أخي! إذا أتيت إلى البيت من عمره سبعة عشر سنة فأمسكه وقبله، من عمره ست عشرة ونحوها، بل كل عيالك سلم عليهم وقبلهم، واجعلهم يحسون بحنانك وعطفك، والتفت لهذا الصغير الذي لا يفهم شيئاً ولاعبه ووسع صدرك معه، لا كما يقول البعض: الترفيه للولد الصغير فقط، فهذا يجعل الكبير يجد في نفسه حقداً وعداوة لهذا الذي طرده، كما تعرفون في عادات الأطفال، لكن إذا صار الابن يشعر أن والده يحبه يفعل كثيراً من الواجبات تقديراً لمحبة والده، ويترك كثيراً من المناهي تقديراً لمحبة والده، ولا يزال يكبر على هذا الخير حتى يتعبد الله عز وجل بهذا كله.