للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على اختيار أعلى المنازل في أمور الآخرة]

فيا أخي الحبيب! ضع نفسك حيثما شئت، لا تقل: قد جنى الناس عليّ، أنت الذي تختار، وقد يسر الله لك أسباب الهداية، إلا أن الهدم أسرع من البناء، البناء يحتاج إلى وقت، حفظ صفحة من القرآن تحتاج إلى استعداد وتفريغ قلب وجلوس وترتيل وإعادة وتكرار، وتقرأ على الشيخ، ثم يجوِّد لك، ثم تعيد النطق، ثم تحكم الأحكام في التجويد، لصفحة واحدة تحتاج إلى عصر كامل، حسب تفاوت الناس في الحفظ والذكاء وغيره، لكن لكي تخرب لا تعمل شيئاً، الخراب لا يحتاج إلى شيء إطلاقاً، الجدار انظر كم يحتاج العامل إلى أن يبنيه، من الصباح الباكر إلى الظهر يمكن لا يبني إلا ارتفاع متر واحد، لكن هدمه يحتاج إلى اثنين أو ثلاثة يضربون عليه ضربة فيسقط في لحظة واحدة.

إذاً بوسعك أن تختار موقعك ومكانتك ومنزلتك، ولقد عرفنا أن الناس إذا خيروا بين المنازل اختاروا أسماها وأعلاها وأرقاها.

أخي الحبيب! إذا ركبت سيارة فإنك تريد أن تكون بمكيف، وتريد أن يكون القطار سريعاً وتريد المنصة وتريد المرتبة السابعة فتجد أن الإنسان دائماً في مسائل الدنيا يحتاج أفضل شيء، وتجده يحرص على أن يختار في أموره الطبيعية أعلى الأشياء وأسماها، فإذا جئت إلى شخصيتك ومكانتك في الآخرة وهي دار الأبد والخلود، يا أهل الجنة، حياة وخلود ولا موت ويا أهل النار، خلود ولا موت!! إذا جاءت الحياة الأبدية فهل تريد العليا أم الدنيا؟ تقول: أريد الدنيا!! تريد الجنة أم النار؟ تقول: أريد النار! تريد الضلالة أم الهداية؟ تقول: أريد الضلالة سبحان الله العظيم!! في الأمور التافهة البسيطة غترة وما غترة وجزمة وحذاء وثوب؛ تريد أحسن شيء، ولما جاءت نفسك التي هي أغلى شيء تذهب وتختار أخس شيء، سبحان الله العظيم! هذا من الغرائب والعجائب!