للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدب العالم مع طلابه وعامة الناس]

ومن ذلك أيضاً: (أن الخضر قال لموسى: أنا على علمٍ من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم الله علمكه الله لا أعلمه أنا) فيه تواضع العالم، وفيه خفض الجناح ولين الجانب من العالم، واحترام ما عند الآخرين، حتى ولو كانوا من عامة الناس، فضلاً عمن تعلموا وقرءوا ودرسوا؛ لأن الإنسان مهما بلغ من العلم لا بد أن يكون قد جهل أشياءً عظيمة لقول الله جل وعلا: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:٧٦] {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:٨٥] وقديماً قال الشاعر:

فقل لمن يدعي في العلم معرفة علمت شيئاً وغابت عنك أشياءُ

فلا تردن كلاماً جاءك به ولو أحد عامة الناس ظناً منك أن مثل هذا لا يفقه في العلم ولا نصيب له في المعرفة، وما يدريك أن ضالة من حِكَمِ العلم فاتتك سنيناً طويلة لا تجدها إلا عند رجلٍ ممن تراهم من عامة الناس، فألله ألله في لطف الكلام ولين الجانب وخفض الجناح، فإن الاستعلاء والكبر والشموخ والتصعر مما يصد الإنسان ويحرمه كثيراً من ضروب العلم، قال ابن الوردي:

لا تحقر العلم يأتيك الجهول به فالنحل وهو ذبابٌ طائر العسل

فليس عجيباً أن تجد حكمة أو ضالة من أبواب العلم فاتتك تجدها عند هذا الرجل العامي أو هذا الرجل الكبير.