للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأنظمة لا تعني عداوة الشعوب]

وبالمناسبة فحينما نتكلم عن دولة معينة، فإننا لا نعادي الشعوب، أخوك المسلم العراقي، وأخوك المسلم اليمني، وأخوك المسلم الأردني، وأخوك المسلم المصري، وأخوك المسلم السوداني: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣].

لا مجال للإقليمية في العمل الإسلامي، والدعوة إلى الله جميعاً، نبيكم لكم جميعاً، للأبيض والأحمر والأسود، للعرب والعجم، لا نكون عصبية إقليمية سعودية فحسب، لكن نقول: بالنسبة للأنظمة، بالنسبة للأبواق المأجورة، بالنسبة للأيدي والأقلام المستأجرة، هذه لا محل ولا مكان لها عندنا.

الذين يطنطنون بقضية فلسطين، ويقولون: جعلوا القضية الكبرى قضية الوجود الأمريكي وما يتعلق به، وهذه أيضاً من المصائب، نحن أولاً أيها الإخوة، لا نقول: إن وجود القوات عندنا خير محض، بل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، هذه مسألة اعرفوها جيداً، هذا الوجود ليس خيراً محضاً، وإنما ظهر الآن أن خيره أكثر من شره، وإلا فيه شر، هذه مسألة.

المسألة الثانية: النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب الناس يقول: ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، أي: النفس فيها شر، وفي السنة أن الرجل إذا بنى بزوجة أن يضع يده على ناصيتها ويقول: وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه، أي: الزوجة قد يكون فيها شر، فلا يمكن أن تكون قوات الحلفاء كلها خير، بل فيها شر، لكن فيما يظهر ويحصل الآن نرى خيراً يغلب على الشر، ونسأل الله أن يكون نهاية هذا الشر، بزوالهم ورحيلهم بعد نهاية هذه الأزمة، ودحر هذا الطاغية الباغي في عدوانه.

ينبغي أن يكون -يا إخوان- عندنا موازين نعقل بها الأمور، وألا نأخذ كل فكرة بتسليم بحت، أو أن نعتبر أن هناك خيراً لا شر فيه، أو شراً لا خير فيه، لا.

ينبغي أن نعطي الأمور مقاييسها وموازينها: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨].

فواجبنا أن ننظر بعدل، والنبي صلى الله عليه وسلم، جاءه عتاب من الله جل وعلا؛ لما سرق أحد المسلمين، واتهم بها أحد اليهود، نزلت الآيات تعاتب النبي صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء:١٠٥] فهذه أمة عدل وعدالة، لا بد أن نعطي الأمور مقاييسها الدقيقة بكل حال من الأحوال.

ثم بعد ذلك أيها الإخوة! الذين -كما قلت- يبكون على دماء فلسطين، والله لن يكونوا أصدق منا في حبنا لـ فلسطين، ولن يكونوا أتقى منا في الرأفة والرحمة بالفلسطينيين، إذاعة عمان: الفلسطينيون، فلسطين فلسطين، يا حكام الأردن! ماذا فعلتم بالفلسطينيين في مذبحة أيلول الأسود، أكثر من خمسين ألف فلسطيني ما بين طفل وامرأة وبنت وفتى وفتاة، ذبحوا لما حسوا أن هناك ريحة خطر على الحكم الأردني، قتل خمسين ألفاً أو أكثر من ذلك، والله إن ما قتل في مذبحة أيلول الأسود يفوق ويزداد عن عدد القتلى في مذبحة تل الزعتر وصبرا وشاتيلا ودير ياسين.

إذاً: من الذي يبكي على دماء الفلسطينيين؟ يبكي عليها الذي يذبحهم في أيلول الأسود، أم تبكي عليهم المنظمات التي ترتب للاغتيال ترتيباً دقيقاً، من الذين يبكي على الفلسطينيين؟ نسأل الله جل وعلا أن يأتي بذلك اليوم الذي يكبر فيه المسلمون من جميع أنحاء العالم في فلسطين، فاتحين مكبرين مهللين مقاتلين لليهود، الصدق في القضية الفلسطينية ليس الدعاوى الكاذبة الرنانة.

ما قتل من الفلسطينيين في مذبحة أيلول الأسود أكثر مما قتله اليهود، وهذه كلمة حق، ولا نبرِّئ فيها اليهود، بل أن قطرة دم طفل فلسطيني أعظم عند جميع المسلمين من أي شيء آخر، وقطرة دم بريء عراقي أيضاً ليست هينة علينا، لكن هناك أمور تحتاج إلى الحزم والحسم والبتر، وتحتاج إلى النهاية، وألا تبقى المصيبة تمثيليات ومسرحيات، ويعيش الناس في فزع لا يعلم حدوده ومنتهاه إلا الله جل وعلا.

إذاً: أيها الأحبة! ينبغي أن ندرك جيداً، أن عداوة الأنظمة لا تعني عداوة الشعوب، فإن كان هناك نظام وقف موقفاً سيئاً وسلبياً ضد المسلمين في المملكة، وضد علماء وحكام المملكة، فإن ذلك لا يعني أن نعادي الشعوب أبداً، كنت في بداية الأزمة في محل (بوفية) ووقفت أشتري حاجة لأحد الصغار، فقلت لرجل يمني في البوفية: لماذا موقف حكام اليمن هكذا؟ قال: يا أخي! أنا ليس لي دخل وكاد أن يبكي، قلت: يا أخي! أنت أخي وحبيبي، وأنت ليس بيني وبينك أي شيء، عداوات الأنظمة لا تعني أني أعاديك، ما ذنبك أنت حتى أعاديك وأتسلط عليك؟ فانبلج وجهه بالأسارير والبشر، وانطلق مرة أخرى.

فينبغي أن ندرك أننا كوننا نحارب العراق لا يعني أن نكره كل عراقي، لا والله، أو نكره كل أردني، وكل فلسطيني، لا.

لكن أن نعطي الأمور مقاييسها وموازينها، وإلا لو نفذنا ما أرادته السياسة اليهودية العالمية، في أن تحدث العداوات، الشعب السعودي كله يكره الشعب الأردني كله، يكره الشعب العراقي كله، يكره الشعب اليمني كله، عند ذلك يصبح الإنسان عدواً لجميع من حوله من المسلمين، وحينما تأتي حرب فاصلة بين الإسلام والكفر، يأتي اليمني يستنجد: يا سعودي، أقول له: لا.

أنت يمني، سبق أن تعادينا، يأتي السعودي يا عراقي، أقول له: لا.

أنت عراقي.

ويأتي كل منا يعير الآخر بجنسيته وإقليميته، فنقف هكذا أحزاباً وجماعات، فيقتلنا أعداء الإسلام بهذه الطريقة، لكن ينبغي أن ندرك أن الوضع القائم وضع مشروع، خاصة وقد رأينا كيف دخل هؤلاء في الخفجي، واستماتوا استماتة عجيبة وغريبة، قدم جند حزب البعث دماءهم على أرض الخفجي لله؟! في سبيل الله؟! لينصفوا مظلوماً؟! ينقذوا امرأة؟! وهذا الحماس للباطل، فأين حماسكم أنتم في الحق؟ وأين بسالتكم وتضحياتكم وجهادكم؟ ينبغي أن ندرك هذه المسائل حتى لا يحدث الشرخ في ولاء المسلمين بعضهم لبعض.