للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علاج العطب الحاصل في السفينة]

أيها الأحبة: إذا تأملنا هذا وأدركناه فإننا نعالج هذه القضية بأمور، أهمها: شعورنا أننا على خطر.

إن من استعرض الوسادة، وغَطَّ في النوم، وأشغله السبات، وعلا شخيره، وعاش في أحلام خيالية، وظن أنه بمأمن من العوادي والغوادي والمتربصين وغيرهم؛ فإنه يوشك أن يهلك لا محالة.

أما الذين يعملون وينكرون ويجاهدون، ويستعينون ويناصحون؛ فأولئك نسأل الله أن يسددهم وأن يكونوا على خير عظيم.

أقول: إننا في سفينة تربص بها الأعداء في الداخل والخارج فلننتبه لها، وإن كان في السفينة شيء من سوس نَخَرَ في بعض ألواحها إن كان في السفينة مَن يحاول أن يخرقها لتغرق بأهلها إن كان في السفينة شيء من الخطأ والخلل؛ فإن ذلك لا يعني أن نرضى بخرقها، أو أن نستسلم لمن أراد فسادها، أو أن نخضع لمن أراد أن يضيع ربانها وهم قادتها وولاة أمرها وعلماؤها.

أيها الأحبة: ينبغي أن نستشعر هذا المعنى، أنت يوم أن تتأمل أحوال المسلمين: إما أن تجدهم مسلمين بلا بلد بلا دولة بلا سفينة بلا كيان بلا مجتمع.

أو تجدهم مسلمين تحت ضغط وقهر واستبداد وأحكام مؤبدة، وأعمال شاقة، وأغلال وزنازين وسجون وشرور وآثام لا يعلم حدها وحصرها إلا الله جل وعلا.

أو أن تجد مجتمعاً كمجتمعنا هذا فيه خير كثير وفيه شر أيضاً نسأل الله أن يدفعه عنا، ولكن من المهم أن نعلم وأن نحقق هذا: أننا من أقل بلاد الله شراً، ومن أكثر بلاد الله خيراً.

إذاً فسفينتنا من أفضل السفن ولا يعني أنها سلمت من العوادي، ولا أنها في مأمن ومنجى من الخطر فكل عاقل ينتبه ويحذر.

أيها الأحبة: ما دمنا في هذه السفينة التي ننعم في ظلها وأمنها ووارف خيراتها ونعيمها، وما يُجْبَى إليها من الثمرات من المشرق والمغرب، وما فيها من النعم والأمن والطمأنينة، وما فيها من أمور تسهلت لكثير بل لجل الناس إن لم يكونوا كلهم؛ فنحن من المهم أن نحافظ على هذه السفينة؛ لما فيها من الخير الكثير؛ والفضل الوفير، وأفضل الخير فيها أنك لا تجد قبراً يُعبد من دون الله، ولا تجد ضريحاً يُطاف به، أو ولياً يُعتقد بأنه يدفع شراً أو يجلب نفعاً.

أعني بذلك أن من أعظم حسنات هذه السفينة التي نحن فيها سلامة المعتقد والتوحيد، وهذا خير عظيم، كما أن فيها من المصائب وأنواع البلاء والكبائر والمنكرات ما ربما يَرِد الحديث عنه.

أيها الأحبة: ما هي الأمور التي تكدر على هذه السفينة هادئ إبحارها؟ ما هي الأمور التي هي نذر شر بأمواج قد تواجه هذه السفينة وربانها؟ ما هي الأمور التي ربما كانت سبباً في أن يتصارع الناس وسط السفينة ويتنازعون فيها.

إن الشر والشرور التي تحيط بالسفن الماخرة على بحار المحيطات المتلاطمة بأمواجها العاتية ليست شروراً بالضرورة، قد تكون من حولها، أو من حيتان تقلبها من أسفلها من أعماق البحار، أومن قرصان أو قناصة أو قطاع طرق، بل قد يكون الشر من أبناء السفينة في وسطها لو تعاركوا وتصارعوا وتنازعوا واختلفوا، ثم دب الفشل فحينئذ ينشغل الربان عن سفينته ويشتغل القوم بعضهم ببعض، وحينئذ:

ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيَها الأسدُ

حينئذ لا يدري الربان بم يشتغل! أهو بأن يهدي سير السفينة إلى بر أمانها، أم يعالج أوضاع أهلها من داخلها وهذه إشارة:

تكفي اللبيب إشارة مرموزة وسواه يُدعى بالنداء العالي

أيها الأحبة: أتحدث عن مجتمعنا هنا لأنه ليس من الحكمة أن نجتمع مثلاً هنا في ظهرة البديعة في الرياض، ثم نتكلم عن أوضاع الصين، أو كمبوديا، أو السلفادور والبوريساريو، إن حاجة الناس أن يتحدثوا وأن يجتمعوا للحديث عن أوضاعهم وعن مجتمعهم وحاجاتهم وما يهمهم من الأخطار التي تحيط بهم، وليس من الحكمة أن نتحدث عن أخطار في مجتمعات بعيدة، ونحن نعالج ونرى ونجاهد ونصارع أخطاراً ومنكرات تحيط بنا، وحاجة الناس أن يسمعوا ما يتحاجون إليه لا ما يشتهيه متحدث وغيره.