للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة للمحاسبة]

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أحبتي في الله: هل سمعتم برجلٍ أو شابٍ إذا علم أن صديقه في السجن ذهب نجدةً ونخوةً وبذل شفاعته وجاهه وماله لكي يخرج صديقه من السجن، فأنت ماذا فعلت حتى تخرج نفسك من النار؟ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥] ماذا فعلنا حتى نخرج أنفسنا من سجون اللحود إلى روضات الجنات؟ ينزل بنا الأصدقاء والأقارب والأهل، فننحر لهم الذبائح ونعد لهم الضيافة ونكرمهم ولا نبخل عليهم، لكننا نبخل على أنفسنا بالأعمال الصالحة، أي بخيلٍ أبخل من الذي يهمل نفسه ويجعلها مقادةً للشيطان، إذا قال له الشيطان: احلق لحيتك، توجه إلى المرآة فحلقها، إذا قال له الشيطان: اسبل ثوبك، أطلق ثوبه يجره، وهو يعلم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) إذا قال له الشيطان: اسهر هذه الليلة، سهر حتى ترك صلاة الفجر، إذا قال له الشيطان: اسمع هذا الطرب والغناء، ذهب ليشتري نسخة أصلية، ويباهي زملاءه وقرناءه وأنداده بوجودها عنده، وليست عندهم.

إذا قال له الشيطان ووسوس وأوحى إليه أي كافر: سافر إلى بلد الفجور والخنا والزنا، إذا وسوس له الشيطان: اشرب ما بدا لك، شرب وطاح ثملاً سكيراً مستطلاً، إذا قال له الشيطان: افعل كذا، استجاب وانقاد، يغويه الشيطان فيستجيب له: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣] أولئك يعلمون ويسمعون مثل هذه المواعظ ويعرفون الخاتمة، ويعرفون الفناء وقرب الرحيل، ودنو الزوال، ومفاجأة الموت، وهول المطلع، وإفلاس النفس من شفاعة الأصدقاء والأقارب والجلساء، ولا يبقى لك إلا نفسك، إن كان معها عملٌ صالح يخلصك بهذا العمل بعد رحمة الله جل وعلا، وإلا فتبقى كسيراً طريداً شريداً وحيداً في قبرك، أفبعد هذا نتمادى يا عباد الله؟! أبعد هذا ننسى الآخرة؟ أبعد هذا نستمر على عصياننا؟ ويوم أن ينصحنا أحدٌ من الصالحين نقول: الحمد لله نحن ملتزمون، وإذا سمعنا ونظرنا إلى هذا الالتزام، وجدناه التزامٌ على سماع الغناء، والتزامٌ على سهرٍ في معصية، والتزامٌ على ترك صلاة الفجر والصلوات مع الجماعة، والتزام على المداهنة، والتزامٌ على ترك الأمر بالمعروف، والتزامٌ على ترك النهي عن المنكر، أي التزامٌ هذا يا عباد الله؟! والله لقد زين الشيطان لأقوامٍ حسن أفعالهم.

يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن

تأملوا وقفوا وحاسبوا أنفسكم أياماً قلائل وتصدر ميزانيتنا، فما هي ميزانية الأعمال الصالحة؟ فنمضي فنودع عاماً مالياً، سنسمع فيه كل شيء، فلنحاسب أنفسنا، ما هي ميزانيتنا المالية بالحسنات والسيئات؟ كم حسنة أودعناها في الصحيفة؟ وكم خزيةٍ وسيئة وعارٍ ومعصية أودعناها في الصحيفة؟ ولو ختم لنا بهذه الخاتمة بماذا نقابل الله؟ أيتسع القبر لمن تاجر بالملاهي؟ أيتسع القبر لمن ترك صلاة الجماعة؟ أينفرج اللحد لمن عصى الله جهاراً نهاراً؟ أيتسع القبر لمن جاهر الله بالمعصية؟ أيتسع القبر لمن غفل عن ذكر الله واستطرب الملاهي ومزامير الشيطان؟ أم يتسع القبر لعبدٍ من عباد الله مشى في ظلمة الليل والبرد القارس؟ (بشر المشائين إلى المساجد في الظلم بالنور التام يوم القيامة) يتسع القبر لمن تدثر ملابسه ومضى يمشي خطوةً خطوة، وهو يسبح الله ويذكر الله، يسأل الله غفران زلة، ويسأل الله الثبات على يومٍ يستقبله، ويسأل الله استقبال يومٍ مليء بالصالحات، يتسع القبر ويرى الملائكة الحسان الوجوه، من حافظ على الصلاة مع الجماعة، من لم يتاجر بالملاهي، من لم ينشر الدعارة والأفلام الخليعة، من لم يساهم في نشر الفاحشة في المؤمنين، ينتظر أن يرى مقعده من الجنة، من دعا إلى الله على بصيرة، وأصبح هادياً مهدياً، داعياً إلى الله برحمةٍ من الله، لا بعمله ولا بقوله ولا بحوله، يقول صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته).

أسأل الله أن يتغمدنا برحمته، أسأل الله أن يتغمدنا برحمته، أسأل الله أن يتغمدنا برحمته، اللهم اغفر ذنوباً سترتها، اللهم اغفر ذنوباً سترتها، اللهم اغفر ذنوباً سترتها، اللهم امح سيئات ما علمها الناس وعلمتها، اللهم إنا نتوب إليك فتب علينا في هذه الساعة المباركة في هذا اليوم المبارك، في ساعةٍ لعلها ساعة إجابة، نسألك اللهم أن تعفو وتغفر ما سلف، وأن تهدينا إليك فيما بقي، اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً، اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً، اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً، اللهم توفنا وأنت راضٍ عنا، اللهم توفنا راكعين ساجدين، اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء، اللهم توفنا على ما يرضيك، اللهم توفنا على ما يرضيك، ولا تقبضنا على خزيٍ أو عارٍ أو شرابٍ أو معصيةٍ أو فاحشةٍ أو جريمةٍ يا رب العالمين.

اللهم زينا بزينة الإيمان، اللهم جملنا واسترنا بالإيمان، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين يا رب العالمين.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم من كان منهم على ظهر هذه الدنيا حياً، اللهم متعه بالصحة والعافية على طاعتك، واختم اللهم له بمرضاتك.

اللهم لا تجعل لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحة وهبته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.