للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب الهلاك وماهيته]

الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، اللهم لك الحمد حتى ترضى، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، سبحانك اللهم ربنا ما عبدناك حق عبادتك، وما شكرناك حق شكرك، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: أعود مثنياً بالسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا الاجتماع شاهداً لنا، به تقوم الحجة لنا لا علينا بإذن الله جل وعلا.

معاشر الأحبة: والأمر كما ذكر فضيلة الشيخ المقدم: عنوان هذه الكلمة "أسباب هلاك الأمم" وتعلمون، ويعلم كل من نظر في مسرح التاريخ أن هناك أمماً سادت وملكت وشيدت، ثم أهلكت وبادت، وكأنها لم تكن.

ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام

أين الملوك ذووا التيجان من إرم وأين ما ساسه في الفرس ساسان

أتى على الكل أمرٌ لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

والهلاك -يا عباد الله! - من سنن الله الكونية لكل أمة أعرضت عن الأخذ بكتابه، وأعرضت عن التمسك بوحيه الذي أنزله صراطاً هادياً للبشر أجمعين: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤] إن من أعرض عن ذكر الله جل وعلا، فإن سنة الله فيه أن يهلكه، وأن يعذبه حياً وميتاً، وإن من تمسك بكتاب الله، فإن سنة الله فيه أن يحفظه، وأن ينصره حياً وميتاً، والأمر معروضٌ للبشر، فما سلكوا من أمور الخير، وجدوا ثمرته، وما سلكوا من طريق الشر، جنوا عقوبته الوخيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والهلاك -أيها الأحبة! - تغيرٌ يصيب أمة من الأمم بسبب ما غيرته وأحدثته، لقول الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:١١] لا يأتي الهلاك ابتداءً، ولا يعذب الله أمةً حتى يقيم الحجة عليها: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:١٥]، فتقوم الحجة على الأمم بالرسل، أو بالوحي، أو بالشرائع، أو بالهدي المبين، ثم بعد ذلك إن هي أخذت وتمسكت بكتاب الله نجت وأفلحت وفازت، وإن هي أعرضت حقت عليها سنة الله في الأولين والآخرين {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الفتح:٢٣] {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر:٤٣] سنة لا تحابي أمةً من الأمم، سواء كانت أمةً كردية، أو أمةً عربية، أو أمةً فارسية، أو أمةً أعجمية، فإن سنن الله في هذا الكون لا تتغير ولا تتبدل أبداً.

واعلموا أيها الأحبة! أن أي هلاك يحل بأي أمة من الأمم إنما هو بسبب إحداث وتغيير كما قلنا، فما نزل بلاءٌ إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، فإذا كنت في نعمة من دين الله، ونعم الله وفضل الله، فارع هذه النعمة بالمحافظة والتمسك.

إذا كنت في نعمةٍ فارعها فإن المعاصي تزيل النعم

وحافظ عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم