للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المرأة ودورها في البيت والأسرة]

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أن يجزي القائمين على هذه السلسلة العلمية المباركة خير الجزاء، في اختيار الحديث، والتذكير بركنٍ عظيم، ومهمٍ جليلٍ من أعظم المهمات الدينية والشرعية، ذلك هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء كان الخطاب بهذا الأمر موجهاً إلى كل فردٍ بعينه، أو كان موجهاً إلى الأسرة أو إلى من تولى أمراً من الأمور، إذ أن ذلك من صفات المؤمنين، وذلكم هو باب الخير، وسبب الخيرية والكرامة والرفعة التي استحقت بها أمتنا هذه أن تكون خير أمة أخرجت للناس؛ لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولن أفيض في مقدمةٍ ربما سبق الأجلاء من أصحاب الفضيلة في بداية هذه السلسلة حتى البارحة إلى الحديث عن كثيرٍ من جوانبها، ومباحثها ومسائلها، ولكني سأختصر الحديث على موضوع محاضرة هذه الليلة وهو " دور الأسرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ".

أحبتنا في الله: تعلمون جميعاً أن كثيراً من الآباء وليس بدعة يشقون في النهار ويسهرون الليل؛ خوفاً وشفقة وحباً ورعاية وعناية واهتماماً بالأولاد من البنين والنبات، وهل جُل مهمات سعي الوالد إلا لأجل إكرام أهله وأسرته، زوجةً وأولاداً؟ بل ولا تسل عن بالغ الرعاية وعظيم الرعاية بهم في الطعام والشراب، واللباس والدواء، والتعليم والترفيه، ولك أن تعجب غاية العجب مما تراه من جرِّ بعض الآباء ذريته وأسرته إلى سخط الله ومقته وعذابه، وتلك والله مسألة غريبة داعية إلى الدهشة والعجب، أن ترى أباً يسهر الليل ويشقى النهار، وينفق كل ماله، من أجل ترفيه وإسعاد هذه الأسرة، في لباسها وطعامها، وشرابها ودوائها، والترفيه عنها وكل احتياجاتها، ثم بعد ذلك تراه في ذات الوقت نفسه يعمد إلى هذه الأسرة ليسمح للصوص لتتخطفهم ذات اليمين وذات الشمال، يتخرمونهم من كل جانب، يقفزون عليهم في الأسواق، يدخلون عليهم الباب بلا استئذان، إنهم ليس بالضرورة أن يكونوا لصوصاً ممن تلاحقهم الشرطة، أو ممن يمنعهم القانون، ولكنهم لصوصٌ ربما دخلوا عبر الشاشات والقنوات والإذاعات، وترى هذا الأب الذي يزعم أنه ما ترك شاذة ولا فاذة، ولم يدخر نقيراً ولا قطميراً على هذه الأسرة إلا وصرفه وأنفقه وبذله لها، تراه في ذات الوقت يرى أسرته تخطف، ويرى أولاده وبناته وزوجاته يهاجمون، ويرى الخطر محدقاً بهم من كل جانبٍ، ثم لا تراه يتحرك ولا تراه يدفع عنهم، ولو أنه أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، لالتفت إلى حجم القنابل الموقوتة التي زرعت في بيته عبر هذه القنوات، أو عبر كثيرٍ من الوسائل التي لم يلتفت لها ولم ينتبه إليها.

أيها الأحبة في الله: الحديث عن دور الأسرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلفت النظر على وجه الخصوص إلى دور المرأة في هذا الركن العظيم، وذلك لأمورٍ أهمها: أن النساء يبقى الأولاد معهن فترة أطول من مكث الرجال معهم، ثم إن الأولاد أكثر التصاقاً بالأمهات من الآباء خاصة في فترة التوجيه والتقبل والاستجابة، وتلكم فترة الطفولة، فلا يستطيع أحدٌ أن يدعي أن أولاده من البنين والبنات في حال التوجيه والاستجابة والانقياد والإذعان يبقون معه أكثر مما يبقون مع أمهاتهم، إذ الواقع والطبيعة، بل والفطرة والغريزة والجبلة، كل ذلك شاهدٌ على أن الأطفال يبقون مع النساء أوقاتاً أضعاف أضعاف ما يبقى الآباء أو الرجال معهم، ثم لا تنسى أن للمرأة دوراً في إكمال دور الرجل في الأمر والنهي، إذ لابد من موافقة ومتابعة من قبل المرأة للرجل في الاحتساب والأمر والنهي وإلا لأصبح المنزل طرفين، طرفٌ يبني، وطرفٌ يهدم، أمٌ تبني، وأبٌ يهدم، أو العكس أبٌ يبني وأمٌ تهدم.

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم

إن من المشكلات التي تعاني منها كثيرٌ من الأسر والمجتمعات: أن ترى أماً صالحةً طيبةً مباركة، تعتني بالرعاية والعناية والاهتمام بهؤلاء النشء، ثم تجد في المقابل أباً يهدم ما بنته المرأة، أو العكس ترى أباً حريصاً على تعليم أولاده، يدخلهم حلقات تحفيظ القرآن، يمنع عنهم المجلات الخليعة، يذود ويبعد عنهم تلك القنوات الضارة السامة، وفي المقابل ربما ابتلي النشء وهؤلاء الأطفال بأمٍ لا تبالي في أي وادٍ هلكت الذرية وتلكم مصيبة وأي مصيبة، ثم إن للنساء أثراً كبيراً على أزواجهن، وهذا ملاحظ ومشاهد، بل ولك أن تعلم بكل قطعٍ ويقين أن كثيراً من الرجال سبب هدايتهم إلى الاستقامة والثبات على طاعة الله، هو فعل زوجاتهم ودأب الزوجات على دعوة الأزواج إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى وطاعته.