للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضياع الأوقات في رمضان]

عباد الله: إن بعض المسلمين هداهم الله إذا جاء رمضان بحثوا يقلبون وينظرون ويفكرون كيف يضيعون الأوقات في هذا الشهر العظيم، وإن قضية الزمن ليست من مصائب الغافلين وحدهم في هذا الشهر، بل هي قضية ومصيبة الأمة.

إن التفنن الذي تعيشه أمتنا في تضييع أوقاتها على الصعيد العام والخاص؛ أدى بأن يمضي العالم وأن يسبقنا إلى المستقبل، وصرنا أيتاماً للتاريخ، وصرنا أشباحاً وأوهاماً وأطلالاً للتاريخ، ذلك بتضييعنا الأوقات عامة، والأوقات في شهر رمضان خاصة.

فإن لم يتحول إلى فن في استغلال الأوقات واغتنامها، وإعمارها على الوجه الصحيح، فسنبقى أمة في دبر الزمان وفي ذيل القافلة.

أيها الأحبة في الله: كم نغبن غبناً عظيماً في ضياع الأيام والليالي والشهور والأعوام دون أن نستفيد منها، فما بالك بأشد الغبن حينما تمر مواسم التجارة وفرص الربح العظيم، ثم تولي ولم نأبه ولم نستفد منها، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ).

فكم غبنا في أشهر ماضية، وكم غبنا في ليالٍ عديدة وأيام مديدة، ضاعت فيها فرص لنا فيها قدرة أن نبلغ أعلى الدرجات، وأن نسابق الأمم إلى مدارج الرقي والكمال، ولكننا ضيعنا تلك الغنائم التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالعناية بها إذ قال: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) رواه الحاكم وصححه.

نعم أيها الأحبة: كم ضاع من أيامنا في طوال أيام السنة ولياليها؟ وكم ضاعت منا الفرص في عشر ذي الحجة، وفي شهر رمضان، وفي الهجيع الأخير من الليل، وفي ساعات الإجابة يوم الجمع، وفي مناسبات عديدة نستطيع أن ندرك بها أجوراً وثواب أيام وليالٍ عديدة؟ ولكن لغفلتنا واشتغالنا وضياع أوقاتنا بما يضرنا فرطنا وضيعنا وأصبحنا من المغبونين: الحذر الحذر -أيها الأحبة- من أن تلهينا الدنيا عن العمل للآخرة في زمن شريف كهذا الشهر العظيم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:٩ - ١١].

ففي الآية تحريض ودعوة وترغيب إلى المسارعة في اغتنام هذه الأوقات وعدم ضياعها، أو الاشتغال بأمور قد قسمها الله ونحن أجنة في بطون أمهاتنا.

الحذر من أن تلهينا الدنيا، ثم نقبل ظالمين أنفسنا، ثم نصبح في غمرات الموت، أو نمسي نادمين على ما فرطنا من الليالي والأيام، إذ العاقل -أيها الأحبة- يتدارك أيامه وشريف الزمان قبل أن يقول: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:٣٧] قبل أن يقول: {رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون:١٠] قبل أن يقال له: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:٣٧].

أين ضاعت الأعمار؟ وأين مضت الشهور؟ وأين ولت الدهور؟ وفيم قضيت الليالي والأيام؟

يا نفس كُفِّي فطول العمر في قصر وما أرى فيك للتوبيخ من أثر

يا نفس قضيت عمري في الذنوب وقد دنا الممات ولم أقض من الوطر

يا نفس غرك من دنياك زخرفها ولم تكوني بهول الموت تعتبري

يا نفس بالغت بالعصيان غاوية ولم تبالي بتحذير ومزدجر