للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجيء يعقوب وأهله وبنيه إلى أرض مصر]

ثم قال يوسف: اذهبوا بقميصي هذا، فألقوه على وجه والدي الذي عمي من كثرة البكاء يأت بصيراً، وائتوني بجميع بني يعقوب، ولما فصلت العير خارجة من أرض مصر، قال يعقوب وهو في بلاد كنعان، قال يعقوب لمن كان عنده من بنيه: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [يوسف:٩٤] لولا أن تقولوا: إنك كبرت وهرمت.

فقالوا له: (تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف:٩٥] في حب يوسف لا تنساه ولا تصبر عنه، فلما أن جاء البشير الذي يحمل قميص يوسف، وكان هو بعينه الذي جاء بالقميص الذي لطخ بالدم الكذب، فألقى القميص على أبيه، عاد يعقوب بصيراً يرى ما حوله، ثم قال: ألم أقل لكم إني أعلم من الله أنه سيرده إلي.

فعند ذلك قال إخوة يوسف لأبيهم: يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين، قال: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يوسف:٩٨] أرجأ الدعوة لهم بالمغفرة إلى وقت السحر، ثم تجهز يعقوب عليه السلام مع بنيه وأهله ورحل من بلاد كنعان إلى أرض مصر، ولما أخبر يوسف بقدومهم وقرب وصولهم، خرج لتلقيهم، وخرج الملك، وأمر أمراءه وأكابر الناس بالخروج مع يوسف لتلقي نبي الله يعقوب عليه السلام، فلما رآه أبوه وأمه وإخوته، خروا له سجداً، وكان السجود للكبير جائزاً في شريعتهم، لكن حرم في شريعة الإسلام.

ثم قال يوسف: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف:١٠٠] لأنهم كانوا أهل ماشية وبادية {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} [يوسف:١٠٠] إذا أراد أمراً قيض أسبابه ويسره وهو العليم بمصالح عباده، الحكيم في أفعاله وأقواله وقضائه وقدره، وبعد أن استقر يوسف بإخوانه ووالديه، سأل ربه مبتهلاً حسن الختام قائلاً: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:١٠١].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.