للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بلاغ رسالة الله من رسله]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فهو الواحد في ربوبيته، المالك المدبر المحيي المميت، الخافض الرافع، القابض الباسط، مالك الملك يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، يعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

واحد في ألوهيته، فله التنزيه والتسبيح والتهليل والتكبير، والركوع والخضوع والسجود، والإنابة والتوكل والاستعانة والذبح، وكل صغير وكبير من العبادة فله وحده لا شريك له، ومن صرف من ذلك شيئاً فقد أشرك مع الله، واحد في أسمائه وصفاته، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى، جل عن الند والشبيه، وعن المثيل والنظير، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

معاشر المؤمنين: إن حكمة الله في خلق عباده أن يعبد وحده لا شريك له، وهو القائل عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، وما في هذا الكون من يستطيع الخروج عن أمر الله، وأنى له ذلك {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:٨٣].

هذه الغاية الواحدة وهي عبادة الله وحده، هي مهمة ورسالة جميع الأنبياء والرسل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].

ولقد بلغ رسل الله رسالة ربهم، والغاية من خلقهم والخليقة معهم، بلغوا الرسالة إلى أقوامهم، فتفرق القوم بعد بلوغ الرسالة إلى فريقين: فريق على الهدى وفريق على الضلالة، بعد أن كانوا على الكفر فريقاً واحداً {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل:٤٥] باتوا فريقين بعد أن كانوا على الكفر أمة واحدة، وعلى الشرك صفاً واحداً.

ولقد بلغ رسل الله أتم البلاغ وأوضحه، فلم يبق حجة أو عذر لمعاند يكابر في الإذعان للحق والانقياد له، بل قامت الحجة وبانت المحجة: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:١٦٣ - ١٦٥].

ذلك لأن الوقوع في الباطل والمنكر وفوات الحق وعدم ظهوره، يعود إلى كتمان من المبلغ والداعي، أو إبهام وخفاء في البلاغ والخطاب، أو إعراض من المبلغ لهواً وكبراً، مع العلم واليقين بالحق: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:٥٠] {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:٢٣]، فهذا المعرض ضال ليس عن جهل، ولا عن خفاء للحق، ولكنه الهوى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:١٤].

لقد تقرر في الشريعة بواضح الأدلة أن الرسالات ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم يموت ويحمل الدين من بعده أمته، ليستمر البلاغ والدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:١٤٤].