للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الانشغال بالقضايا السياسية وترك الأهم في الدعوة]

أيها الأحبة في الله! إن من الغرائب والعجائب في بعض المراكز الإسلامية أن تجد شغلها الشاغل متابعة القضايا السياسية أولاً بأول، ويلج ويفد إلى المسجد أناس لا يحسنون الوضوء، وأناس لا يعرفون الصلاة، وأناس لا يحسنون الفاتحة، وأناس لا يعرفون قراءة القرآن، المهم أن يعرف الموقف من قضية سياسية قديمة أو حديثة قريبة أو بعيدة، وذات يوم وكنت أخطب الجمعة في مركز من المراكز في أورلاندو بعد نهايتها قام رجل يعلق -جزاه الله خيراً وأصلح شأني وشأنه- إذ به يريد أن ينقض الخطبة من أولها ليلفت المسلمين إلى قضية سياسية معاصرة وغير ذلك، حيث قال: ليس المهم أن نتحدث عن هذا فالناس يعرفون هذا، وما هو الذي ليس بمهم في نظره؟ الكلام عن العقيدة، والكلام عن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومسئولية المسلمين في المحافظة على أنفسهم وأبنائهم، ومسئولياتهم في الدعوة إلى الله لتوطين الإسلام في المجتمع الذين يعيشون فيه هذا ليس بمهم! أما المهم فهو تكفير الحكومات والحكام، وتكفير النظم والأنظمة، والكلام بكل شاردة وواردة غير منضبطة بضابط شرعي، ثم قلنا: وماذا بعد هذا؟ وفي تلك اللحظة إذ بنا نفاجأ بشاب مغربي من الله عليه بالتوبة والهداية من قبل مجيئنا جاء يريد أن يتعلم الصلاة، فإذا به لا يسمع إلا عراكاً وخصومة وجدالاً بين قضيتين، إن هذه الظاهرة وإن كانت بدأت تقل إلا أنها من مساوئ أو من سيئات وسلبيات بعض المراكز هناك.

المهم أن تعلم ما هي المواقف الساخنة الحديدية من غزة أريحا، أو كامب ديفيد، أو أي قضية سياسية، ونحن نقول ونردد هنا وهناك: ليست مهمة المسلمين أن يمدحوا الظلمة أو يعتذروا عن المخطئين والطواغيت، ولكن ليست -أيضاً- مهمتهم أن يصرفوا عقول وجهد وتفكير أبناء المسلمين -خاصة في تلك البلاد- إلى الانشغال بأخطاء هذه النظم والأنظمة، حاجة الناس أن يعبدوا الله وحده لا شريك له على بصيرة، حاجتهم أن يعرفوا كيف يطبقوا العبادة على متابعة شرعية دقيقة للنبي صلى الله عليه وسلم، ويوم القيامة لن يضيرهم أنهم ما عرفوا عدداً من أخطاء كثير من الأنظمة، وليس بسبب أن يعذبوا لأنهم جهلوا أحوال كثير من النظم والحكام والحكومات، ولكن من قصر في واجب أوجبه الله عليه من عبادة وفريضة، أو وقع في أمر نهى الله عنه من منكر ومعصية أو فاحشة، فإن ذلك يكون سبباً في عقوبته وعذابه.

هذه من القضايا التي أوصي نفسي وأوصي كثيراً ممن يذهبون إلى بلاد الغرب أن يعتنوا بها، أن يهتموا بأن يسرعوا وأن يشتغلوا مع الناس في تعبيدهم لله، مهمة الأنبياء: ما بعث موسى ليشتم فرعون وقارون وغير ذلك، وما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليشتم أبا لهب وأبا جهل وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط، لكن هذه قضايا ظهرت في الطريق أثناء تبليغ الدعوة، فكان للأنبياء مع الطغاة مواقف وهذا هو الواجب، ولا يسوغ هذا لأحد أن يعتذر عن ظالم أو طاغوت: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} [النساء:١٠٩] لكن باختصار وتأكيد ومزيد منه: إن قضيتنا أن نعبد الناس لله هنا وهناك وفي الشرق والغرب، قضيتنا هي قضية الأنبياء: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٥٩] {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] ومعنى يعبدون: أي يوحدون، تعميق التوحيد في نفوس المسلمين أمر عظيم، إذ أن مما يؤلمك أيضاً أن ترى قول الله قد تحقق في بعضهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف:١٠٦] يقعون في الشرك أو في ذرائعه من حيث لا يشعرون.

ويا أيها الأحباب! إن واحداً من عوام هذا المجتمع الموحد ليفوق كثيراً من المسلمين في بلاد مختلفة، ولست بهذا أسفه أو أجهل أبناء المسلمين فهناك من هو خير منا، وفيهم من هو أقرب وأتقى وأعلم، وكل بحسب درجاته وعلمه وتقواه {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣] ولكن أن نعرف ما هي مهماتنا، مهماتنا التي لأجلها نزلت الكتب وشرعت الشرائع، وخلقت الخليقة، ووجدت الجنة والنار، ويقف الناس فيها للخصومة؛ إنما هي قضية التوحيد وعبادة الله وحده لا شريك له.

أيها الأحبة! هذا ما أحببت أن أقوله حتى تعلموا ما هو واقع الإسلام في بلاد الغرب؛ وحتى لا نحكم بالجفاء والتشاؤم الشديد على جهود إخواننا فلهم جهود جزاهم الله خيراً، ولو قال قائل:

أقلوا عليهم لا أباً لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

لقلنا: صدقت وكنت من الصادقين، ولكن إن وجود العمل والجهود والأنشطة لا يعني أن نتباعد وأن نقول لك: مسلم أن الإيجابيات كذا وأن السلبيات والأخطاء كذا، من واجبنا أن نعمق مزيداً من الصواب والإيجابيات، وأن نكافح بالعمل والعلم والدعوة وحسن البلاغ، والجدال بالتي هي أحسن تلك السلبيات.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.