للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخوف سبب للتهرب من مسئولية الدعوة]

أولها: الخوف، وكأني ببعضكم في هذا المسجد يقول: ولماذا لا أقدم شيئاً للإسلام؟ لماذا لا أقدم ولو برنامجاً؟ يا أخي الكريم أعطيك مثالاً بسيطاً: عمال النظافة في المساجد، هل فكر أحد أن يربط بهم علاقة، فيعلمهم اللغة العربية، ويحفظهم التوحيد، ويعلمهم بعض الآيات، فإذا عادوا إلى سيلان وسيرلانكا والهند وبنجلادش كانوا أئمة هناك، هل أحد يتحمل هذه المسئولية؟ هل هناك من يقول أنا لها؟ هذا كأبسط مثال! والله في الحقيقة لم نجد إلا النادر، وكما قال صلى الله عليه وسلم (الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) تدخل حوشاً فيه مائة ناقة، لكن هذه جرباء، وهذه ضلعاء، وهذه مريضة، وهذه عرجاء، وهذه وهذه، لا تكاد تجد ناقة واحدة بين مائة ناقة، واليوم بكل أسى والله لو وجدنا من كل مائةٍ ملتزماً واحداً صاحب همة دعوية، وحركة عملية، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، والله لوجدنا الخير الكثير.

أنتم تجدون واحداً مثلاً في جدة، أو في الشرقية أو في الغربية، أو في أي مكان حينما ينفع الله به، يكون له أثر عظيم، فما بالك لو كان من بين المئات أفراد وآحاد يقومون بمثل هذا الدور، والبقية أيادي مساندة ومعاونة لنشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أقول: قد يقول بعض الحاضرين، من الآن من الساعة سنبدأ بإذن الله، لماذا الناس تقدر وأنا أعجز؟ الناس تعلم وأنا أجهل؟ الناس تستطيع وأنا لا أستطيع؟ باسم الله، فإذا أراد أن يبدأ بخطوة أولى، جاءه ذلك القرين، كما قال تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} [البقرة:٢٦٨].

جاءه الشيطان قال: يا مجنون! وأنت من يضمن لك أن عملك هذا تسلم من مغبته وتبعاته؟ من يضمن لك أنك لا تراقب؟ من يضمن لك أنك أنك؟ وهذه من الحيل النفسية، والأوهام والخيوط العنكبوتية التي يقوم الواحد فيقدم يديه للشيطان ويقول: كبلها بخيوط وهمك، ويقدم رجليه ويقول: اجعل عليها قيوداً من حبال توهيمك فلا تجعلني أتحرك، هل يمنعك أحد أن تعلم عمالاً القرآن الكريم؟ هل يمنعك أحد أن تدعو إلى الله جل وعلا؟ لقد انصرفنا -أيها الإخوة- إلى أساليب الدعوة الجماعية وضيعنا الدعوة الفردية، الحضور الآن بالمئات، ولو أن كل واحد يركز على شخص واحد، سواء كان قريباً في أسرته، أو زميلاً في عمله، أو جاراً في حيه، فأخذه وقال: لن أدعه ولن أبرح عاكفاً على متابعته وزيارته، وأخذه والذهاب به، والإياب معه والعمرة به، والحج معه وزيارة العلماء به، وإهدائه الشريط ودعوته إلى الطعام، حتى لا يحول حولٌ إلا ويكون ممن شقوا طريقهم في طلب العلم، وحفظ القرآن والسنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لوجدتم أن هذا الخير يتنامى في المجتمع، وتصلح الأمة صلاحاً ذاتياً، يتنامى ويتسارع تسارعاً يقهر أعداءها، لكن دائماً نربط أنفسنا بمشاريع الدعوة الجماعية، كأننا إذا منعنا أو أوقفنا عن سبيل من سبل الدعوة التي فيها نهج أو نوع طريقة جماعية كأن الدعوة أوقفت وانتهت، لا يا أخي الكريم! هذه من الحيل التي تنسجها أنت أو يكبلك الشيطان بها، فتقول: وماذا نفعل!! الشريط الفلاني موقوف، والمحاضرات في المكان الفلاني ممنوعة، إذاً ماذا نعمل؟!! لا يا أخي الكريم! والله لئن كانت مجالات الدعوة مائة، فمنع منها عشرة مثلاً، فعندك تسعين مجالاً مفتوحاً، لكن من أراد أن يعمل فسوف يعمل، وأما الذين يتعللون ويحبون من الإسلام والالتزام: أحبك في الله، أهلاً يا أخي في الله، لا تنسنا من دعواتك، لا تنسنا من الدعاء في الركعة الثالثة عشرة، من هذه الكلمات خذ ما شاء الله، أما أن تريد رجالاً يعملون؛ فما أقل أن نجد هذا! ومصيبة الصحوة أن أبناءها باتوا عالة عليها، بل لا تعجب أن ترى القيل والقال، والزيادة والنقص، وفلان وعلان، وروي وذكر، حتى بات فريق من الشباب لا هم لهم إلا أن ينقلوا منك إلى أخيك بما يكره، وينقلوا من أخيك إليك بما تكره، ولا أستبعد أن تكون هذه الصفوف الطيبة الخيرة يخطط أعداؤها لها، وأن يندس فيها من يزرع العداوة والبغضاء بين دعاتها، ويزرع الشحناء والقطيعة بين رجالها، ويحاول أن يقسمها أقساماً وأحزاباً وجماعات شتى، ولأجل هذا نقولها في الخطب وفي الندوات والمحاضرات: لا مكان للحزبية هنا، لا حلف في الإسلام، لا مكان للتجمع على حزب معين، نعم، تتجمع طائفة للعناية بالضعفاء، بالسجناء، بالمساكين، بالأيتام، بالأرامل، بالمعدمين، بالمعوزين؛ هذه معقولة.

أما حزب معين وما سواه فلا مكان له، فلا، أبداً نحن أمة واحدة فينا الظالم لنفسه بالمعصية، وفينا المقتصد، وفينا السابق بالخيرات، وهذا إطار الأمة أجمع، وإذا قلنا: إن مجموعة فلان وفلان والشباب الفلانيين هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة فماذا نسمي شباب الأرصفة! من الجهمية؟ ماذا نقول لبعض العصاة الذين عندهم منكرات في بيوتهم أهم من المعتزلة؟ ماذا نقول لبعض أهل التقصير؟ من الماتريدية.

ماذا نقول وماذا نقول؟ أيها الإخوة! تقسيم الأمة مصيبة، ثم إن الحكم على الأمة باللوازم أمر أخطر من ذلك، الأمة أمة واحدة، ويدخل في عداد هذه الأمة من جهل أمراً، أي أن تبديع الأمة بالعربي الفصيح الصريح لا يتم إلا إذا عرفنا من رجل بدعةً أعلنها ثم نوصح بها، وأصر على قوله وقال: أقصد كذا، وما قصدت ذاك وأعني ما تخطؤنني فيه، وأراه منهجاً لي؛ فذاك المبتدع الذي تحاربه الأمة.

أما أن نقسم الأمة وننقسم نحن أهل الخير إلى جماعات وأحزاب، فذلك شرٌ نحذركم وأنفسنا منه، ومن أراد أن يخدم هذا الإسلام؛ فليجنب نفسه الحزبية والعصبية، افتح بابك ونفسك وفؤادك وقلبك وجهدك وقدراتك لكل من أراد أن يعمل لهذا الدين؟ أيها الأحبة: كما قلت: من أسباب التهرب من المسئولية الخوف؛ أنا أخشى أن أراقب، أنا أخشى أن ألاحق، ما شاء الله عليك يا زعيم المافيا والألوية الحمراء، ماذا عندك؟! شريط صدر من وزارة الإعلام بالفسح تاريخ رقم، كتاب صدر بالإذن من الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية، وفسح أيضاً من وزارة الإعلام، يعني يفسح وتخشى أن توزعه، يفسح وتخشى أن تدعو به؟! أحد منعك وقال: يُسمح لك أن تأخذ عشرة من الناس فتلعب معهم كرة، وتدور أنت وإياهم في الأسواق والشوارع، ولكن ممنوع أن تأخذ ثلاثة أو أربعة من إخوانك فتزورون عالماً أو تعتمر أو تحج أو تسافر أو تقدم أمراً في سبيل الله؟! لكنها أوهام الشيطان.

لذلك تجد الواحد وهو متكئ إذا فكر أن يدعو؛ رسم منهجاً دعوياً، جاء الشيطان وأنزل عليه جبلاً كـ جبل ثور، ثم جعل يضغط بهذا الجبل من الخوف والوهم والفقر ودنو الأجل؛ حتى يجعل رأسه ينطبق على فخذه، فإذا قال إنسان: مالي وللدعوة، مالي وللأمر، مالي وللمسئولية، تنفس الصعداء ونسف غترته جنباً إلى جنب، وقال: يا أخي! الحياة حلوة وسعيدة وممتازة، لما فكر أن يدعو؛ انطبق رأسه على فخذه من الثقل في جبل حمله من الوهم الذي نزل به الشيطان، ولما فكر أن يلقي الدعوة والعمل والمسئولية، وأن يرمي بها عرض الحائط، أصبح الأمر سهلاً ميسوراً بالنسبة له.