للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هل أنت ممن يبكى عليه إذا مات؟]

يقول ابن أدهم رحمه الله:

إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثلمت من الإسلام ثلمه

وموت الحاكم العدل المولى بحكم الأرض منقصة ونقمه

وموت فتىً كثير الجود مَحْلٌ فإن بقاءه قَسْمٌ ونعمه

وموت العابد القوَّام ليلاً يناجي ربه بكل ظلمه

وموت الفارس الضرغام هدمٌ فقد شهدت له بالنصر عزمه

فحسبك خمسة يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه

أنت أنت، هل تستطيع أن تقول إنك ممن يُبكى عليه، ويُذكر بخير بعد موته؟! أم أن يقال: والله مسكين، ظاهرة طبيعية كوجود أي كائن حي وجد على الدنيا فترة ثم انتهى واختلط ترابه ودمه وجسمه ومخه ولحمه وعظمه بالأرض ولم يحقق أي شيء، لكن تستطيع أن تكون عالماً تستطيع أن تكون مربياً تستطيع أن تكون مجاهداً تستطيع أن تتولى مهمة، لا يُشترط أن تكون حاكماً تحكم البلاد طولاً وعرضاً، وقد تكون كذلك، وقد تكون مسئولاً في أي قضية من القضايا في أي جانب من الجوانب فينفع الله بك نفعاً عظيماً، قد تستطيع أن تكون عابداً قواماً مجاهداً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر فحينئذ تكون من هؤلاء الذين:

فحسبك خمسة يُبكى عليهم وباقي الناس تخفيف ورحمه

مشكلة شباب الإسلام اليوم وأقولها بكل مرارة أن كثيراً من الطيبين أصبحوا أعداداً لا حقيقة لها، نعم جزاه الله خيراً على تدينه واستقامته لكن ماذا يقدم؟! ماذا يجدي؟! لا دعوة، لا أَمْر بمعروف ولا نَهْي عن منكر، لا نَفْع ولا تربية، بل غفلة مطبقة وفيه من الضعف والخور والجبن والكسل ما الله به عليم.

والعجيب كما قال أبو بكر الصديق لـ عمر بن الخطاب: [أجبار في الجاهلية، خوار في الإسلام] لما كان قبل استقامته وقبل توبته كان لا يدع شراً إلا ركبه، ولا فتنة إلا وقف على رأسها، ولما مَنَّ الله عليه بالهداية أصبح حملاً وديعاً وظبياً جهولاً، لا يقدم ولا يؤخر، أين تلك الشيطانية أين تلك العربجة! أين تلك الشدة! أين ذاك الحماس! أين ذاك النشاط! أين تلك الهمة التي تقطع المسافات الطويلة ذهاباً وإياباً؟! أولاً قبل أن يهتدي الرجل يضرب له واحدٌ فقط ضربتين ببوق السيارة إلا والغترة على جنبة.

إلى أين؟ قال: الذي تريد، إن أردت الطائف هيا نذهب.

لا توجد مشكلة، الآن يأتي أحد إخوانه: يا أخي الحبيب! هيا بنا إلى محاضرة درس دعوة.

يا شيخ! مريض، دعني هذه الأيام، دعنا مرتاحين عند هذا المكيف.

يا بن الحلال! هيا نمشي، عندنا عمل ودعوة، مكتب الجاليات يحتاج إلى أناس يتابعون هؤلاء المسلمين الجدد.

والله -يا أخي- لا أعرف لهذا الشيء.

يا أخي! عندنا مجال دعوي آخر لنشارك فيه.

والله يا أخي أخاف.

ثم يصبح همه ماذا يقول الناس فيه، وإذا وجدت الشاب يهمه رأي الآخرين فيه فاعلم أنه قد احترق.

يا أخي الحبيب! كن مثل المتنبي:

أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصمُ

يقول: أنا أقول الكلمة أفجرها، أرمي بها بين الناس ثم أنام.