للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستعداد للموت]

أيها الأحبة: هذه الحياة بأيامها مرت سراعاً عجالاً على السعداء، وتمطت بكلكلها، ونأت بأعجازها على المبتلين، لكن الزمن هو الزمن على السعيد والشقي:

مرت سنون بالوصال وبالهنا فكأنها من قصرها أيام

ثم انثنت أيام هجر بعدها فكأنها من طولها أعوام

ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام

فكل شيء ماض.

أيها الناس: إن لكم غاية فانتهوا إلى غاياتكم، وإن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن الواحد منكم بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله قاض فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله صانع فيه.

فأعدوا واستعدوا، وفي نهاية العام تذكروا نهاية الأعمار: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠]، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:٣٤]، {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:٧٨]، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤].

ولكن أيها الأحبة: نتيجة الخوف من الموت هي الاستعداد للموت، والذي يخاف من الحريق يعد لإطفاء الحريق، ويعد مادة أو يستعمل مواداً غير قابلة للاحتراق، ويعد أشياء في بناء بيته تعزل انتقال الحريق، هذا هو الخوف الطبيعي، يتترجم إلى استعداد ومواجهة، أما رجل يخاف من النار وهو ينظر إليها ويصطلي بلظاها، أو رجل يخاف من الجوع وهو ينظر الطعام ولا يأكله، أو رجل يخاف من البرد وهو يرى اللباس ولا يلبسه.

الخوف من الموت هو ألا تبكي وتنشغل أو تسهر، كما يخبرني بعض الشباب أن خوفهم من الموت بلغ بهم حداً أن الواحد منهم يضع يده على خده، أو يده على ناصيته، ويجعل رأسه بين رجليه، فتارة في شرود ذهن، وتارة في قلق فكر، وتارة في عذاب ضمير، ما بك يا أُخيَّ، خائف من الموت، هذا ليس بخوف.

الخوف من الموت تخافه الحشرات، لو لحقت حشرة هربت؛ لأنها تخاف من الموت، اجعل خوفك من الموت مترجماً محولاً إلى أن تسجد، من كان يخاف الموت فلا ينم إلا وقد صفى قلبه على عباد الله، وأدى حقوق الله في نفسه وماله وبيته، من كان يخاف الموت فليستعد له بالوصية، من كان يخاف الموت فليكثر من الركوع والسجود، والعمل الصالح الذي يؤنسه في قبره، نهاية العام تذكير بفناء ونهاية العمر.

لكن نريد استعداداً ونريد أهبة، فإن الزاد قليل والسفر طويل، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: [يا دنيا غري غيري تزينتي قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها]، وقال غيره: [لقد أدركنا رجالاً من صحب محمد صلى الله عليه وسلم في جباههم أمثال ركب المعز من السجود، ويراوحون الليل والنهار -يراوحون بين أقدامهم من طول القيام والعبادة في الليل والنهار- وإذا ذكرت النار اضطربوا وماجوا وخافوا كأنها لم تخلق إلا لهم] أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم، وبشرهم واختارهم لهذه الصحبة إذا ذُكرت النار اضطربوا كأنها لم تخلق إلا لهم، {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} [الأعراف:١٦٩].

من أحسن الرجاء أحسن العمل، ومن ابتغى الولد ورجى الولد تزوج، ومن ابتغى الثمرة زرع، ومن ابتغى البيت سعى في البناء.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً وبولاة أمرنا فتنة، وبعلمائنا مكيدة، وبالدعاة فرقة وضلالة، اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

اللهم من سعى في أعراضهم بالفرقة والنميمة والوشاية اللهم أخرس لسانه، وعطل أركانه، وأرنا فيه عجائب قدرتك، واخزه اللهم بين العباد أجمعين.

اللهم انصر المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المسلمين في الجزائر وتونس وبورما وفلسطين والبوسنة والهرسك وأفغانستان وكشمير وأرميوا وفي كل بلاد وبقاع الأرض يا رب العالمين.

اللهم ما علمت من داعية أو عالم صالح أو مخلص، اللهم فانصره وأيده وثبته ووفقه يا رب العالمين.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ولي علينا خيارنا واكفنا شرارنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم لا تفرِّح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً.

اللهم سخر لنا ولعلمائنا ولولاة أمرنا ودعاتنا ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، واجعل اللهم ذلك في طاعتك ومرضاتك، يا رب العالمين.

معاشر المؤمنين: لا تنسوا إخوانكم المضطهدين المشردين المقتلين المبتلين في البوسنة والهرسك، وستجدون على الأبواب من يجمع تبرعاتكم.

وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.