للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحسنوا العمل وأحسنوا الرجاء]

فيا إخوان: نحن لو أردنا أن نتذكر ذنوبنا ومعاصينا وآثامنا وفواحشنا وسيئاتنا لعددناها كما نعد هذه الإضاءة في هذا المسجد، نذكرها بالوقت واللحظة والظرف والزمان والمكان والتاريخ، ولو أردنا أن نعد حسناتنا لوجدنا حسنات لم نتأكد منها، ذلك حج عبثنا وهزلنا فيه، ذلك صيام لم نتقنه، تلك صلاة لم نخشع فيها، حينما نريد أن نعد أعمالاً صالحة لا نجد عملاً نتيقن كل اليقين أننا أحكمناه على الوجه الذي يرضي الله بالإخلاص والمتابعة والدقة في التزام السنة، وحينما نريد أن نعد المعاصي والله نعدها ونتذكرها كما نرى هذه الإضاءة في السقف، ومع هذا كله لا نزال نطمع في درجات الأبرار والمقربين، والله إننا لنطمع فيها برحمة الله جل وعلا، اللهم لا بأعمالنا ولا بسعينا ولا بكدنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولكن برحمتك التي وسعت كل شيء يا رب العالمين.

فأحسنوا العمل وأحسنوا الرجاء، وإن الذي يرجو لا بد أن يحسن العمل، الذي يحرث الأرض ويسقيها ويبذرها ويزرعها يرجو الثمرة، أما الذي يرجو الثمرة وهو لم يزرع هذا مجنون، والذي يرجو الولد وهو لم يتزوج هذا مجنون، فإذا كنا نرجو الجنة والرحمة فلنبذل ولنعمل وبقية الأمر على الله بمنه ورحمته، وأبشروا: إن من سعى إلى ربه بسعي مبارك مع حرصه على مرضاة ربه فليبشر بالخير، لا أقنطكم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من معركة هوازن - حنين - اجتمعت أربعة وعشرون ألف ناقة، وستة آلاف امرأة من السبي، وأربعون ألف شاة، وغنائم كثيرة، فلما كانوا من بين السبي إذا بامرأة تنطلق، تشق الطريق بين السبي، ثم تأخذ طفلاً وتضمه على صدرها وتظهر ثديها وتلقم فمه في ثديها، والنساء يستحين ويخجلن أن يرضعن أولادهن إلا أن تضع ستاراً أو رداءً يستر ثديها، أما هذه فبين الناس فعلت ذلك، حيل بينها وبين طفلها والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر والصحابة ينظرون، فقال صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه تلقي بولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله.

فقال صلى الله عليه وسلم: لَله أرحم بعبده من هذه بولدها) فأبشروا خيراً -يا عباد الله- أنتم تقرءون في كل يوم: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] إنها قمة الرحمة من الله جل وعلا لعباده، لكن لمن يلتمس طريقها، ولمن يسلك مسالكها، أما الذي يرجو الرحمة وهو على عناد وإصرار فذلك شأنه غريب.

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تمشي على اليبس

فيا أحبتي في الله: لنراقب أنفسنا جيداً، إننا -ولله الحمد والمنة- في زمن التزم الشباب والشابات، واستقاموا وتابوا، وهم الآن أحوج ما يكونون إلى مراقبة سلوكهم وتصرفاتهم، بحاجة إلى غربلة أفعالهم وما يجترحونه بجوارحهم وكل أدرى بنفسه: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:١٤] فما دام الأمر ممكناً قبل أن يختم المطاف، وقبل أن تغلق الصحائف وينقطع النفس وينتهي الأجل فلنحاسب أنفسنا محاسبة جيدة.

هذه -أيها الإخوة- قصة بمتابعة أحداثها من ثقة أخذتها، هي والله لخير دليل على أن المعاصي لها شؤم وإن تصاغرناها أو تساهلنا بها واعلموا أن الأذن تعشق:

والأذن تعشق قبل العين أحياناً

وينبغي للمسلم أن ينتبه لنفسه، ولذلك يقول الله جل وعلا: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:٣٢] المرأة نهيت عن الخضوع في القول، وينبغي للمسلم ألا يستطيل الحديث مع النساء فيما لا طائلة ولا حاجة له فيه، بل اجعل الحديث بقدر ما تحتاج إليه فإن ذلك أنقى لقلبك وأتقى لربك، حينما تجعل هذه الأذن نقية شفافة في السمع، فإذا سمعت كلام الله وكلام رسوله استطعت أن تتلذذ بالسماع، لم يخالط سماعك صوتاً أطلت الحديث معه فيما لا فائدة فيه.