للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غفلة الناس في مجالسهم]

لقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الغفلة عامة، وحذرنا عن الغفلة بالمجالس، واعلموا أن كل مجلس لم يذكروا الله فيه إلا عدوا من الغافلين، وكان مجلسهم شاهداً عليهم في الغفلة، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلسهم لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة) رواه أبو داود والحاكم.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا لله فيه، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما، ومعنى: (إلا كان عليهم ترة): أي تبعةً وحسرةً وندامةً يوم القيامة.

فيا أيها الأحباب! إذا علمنا أن المجالس، أن العلاقات، أن الجلسات، أن اللقاءات ستكون حسرات وندامات ما لم يكن ذلك في طاعة الله ومرضاته، ما لم نطرد الشياطين ونعطر القلوب والأسماع والحاضرين بذكر الله سبحانه وتعالى وبالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، وهل يضيرنا أي اجتماع اجتمعناه، وأي لقاء التقينا فيه، هل يضيرنا قبل أن نبدأه -أياً كان- أن نستفتحه بآيات من كلام الله، وأن نعلق عليه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجتمع لنا خير المجلس، وخير الكلام، وطيب الدعاء، ثم بعد ذلك نفيض فيما نشاء أن نفيض فيه من أمور دنيانا، أيضيرنا ذلك؟ أيعجزنا ذلك؟ لا والله، لكنك تعجب يوم أن يكون الذكر ثقيلاً على الأنفس، فإذا استفتح جالس من الجالسين مجلسة وقال: أيها الحضور أيها الأحباب أيها المجتمعون حتى لا يكون المجلس ترة، حتى لا يكون حسرة، حتى لا يكون ندامة دقائق نستفتح بها هذا المجلس بكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، رأيت كثيراً أو رأيت بعض الجالسين يشمئزون ويزورُّون وتدور أعينهم كما تدور أعين الذي يغشى عليه من الموت يا سبحان الله! ولو كان الحديث أوله وآخره وأوسطه وقلبه وقالبه وباطنه وظاهره في سخافات وفي هراء، وفي ما لا تحمد عاقبته لقهقهوا وضحكوا، وطال المجلس إلى ساعات طويلة حتى يرتفع النهار أو ينتصف الليل، ولا يبالون ولا يعدون ذلك شيئاً، ولا يعدونه أمراً ثقيلاً، لكن إذا قام قائم أو ابتدأ متكلم وقال: يا معاشر الأحباب! يا معاشر الحاضرين! في هذا الزواج، في هذه المناسبة، في هذه العقيرة، في هذه الوكيرة، في هذا اللقاء، قبل أن نفيض في شأن دنيانا وعلاقاتنا نبدأه بذكر الله عز وجل، وجدت منا من تدور عينه، ووجدت منا من يزوَّر بوجهه، ووجدت منا من يتأفف مم تتأفف؟ أما تخشى أن تكون من الذين قال الله فيهم: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:٤٥]؟ أي غفلة استحكمت في المجالس اليوم؟ أي غفلة استحكمت في اللقاءات اليوم؟ حتى بلغ الأمر إلى درجة أنهم لا يذكرون الله فيها؟ بل يعترضون ويتأففون ممن يدعوهم إلى ذكر الله عز وجل.