للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[(مثل الجليس الصالح والجليس السوء)]

وإذا عدنا لنتأمل الحديث الذي قلناه آنفاً، وهو قوله صلى الله عليه وسلم تشبيهاً للجليس الصالح بحامل المسلك، فحامل المسك إما أن يحذيك، أو يطيبك، أو يهديك نصيحة، أو يعرفك بعيب من عيوبك، أو يعلمك أمراً تجهله، أو يرشدك في أمر قد ضل عنك، أو يحذرك من أمر كدت أن تقع فيه، وإما أن تبتاع منه، والمبايعة بما جيء بها في المثل إشارة إلى ما يتعلق بالمعاطاة من الأخلاق، وأنه تمنحه وداً صادقاً، وهو يعطيك علماً نافعاً، أنت تمنحه ثقةً طيبةً، وهو يمنحك أخلاقاً رفيعةً عاليةً، وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، فالجليس الصالح لو لم يكن لك منه إلا ريحه، ذكره، سمعته بين الناس، لقيل: حسبك بفلان أنه من مجالسي أئمة المساجد، حسبكم بفلان أنه من الذين يجالسون أهل الإيمان والذين يحرصون على حلقات الذكر في المساجد، حسبكم بفلان أنه من الذين يجالسون العالم الفلاني، والعالم الفلاني، والعالم الفلاني، وما جالسه إلا لطيبه.

إذاً هذه هي الرائحة الطيبة التي تنتقل إليك بمجالسة الجلساء الطيبين.

أما الجليس السوء، فهو الذي يحرق ثيابك، يحرق سمعتك، ويخبث ذكرك بين الناس، لا سيما إذا رؤي معك على صورة مريبة، أو حالةٍ تدعو إلى العجب والدهشة، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة، وهذه الريح هي ما لا يسلم منه الإنسان، لأن هذه الريح بمثابة غبار دخاني ينطلق بأجواء السماء، فلا يلبث أن يصل إلى جوفك، فتستنشقه وأنت لا تدري، وأعني بهذه الريح في المثال هي: ريح اكتساب الطباع الخبيثة والأخلاق السيئة، ومن هنا قال جملة من علماء الأخلاق والسلوك: المرء من جليسه، والطبع استراق، الطبع استراق: الإنسان يسرق الطباع وهو لا يشعر، وإن الإنسان يكون في أخطر مراحل سرقة الطبع إذا كان في مراحل صغره، وفي مراحل بداية نموه، ومن هنا نلاحظ أن الأطفال الصغار جداً يسرقون طباع والديهم، ونلاحظ أن من كبر قليلاً يسرق طباع المدرسين، ونلاحظ أن من كبر أيضاً يسترق وهو لا يدري طباع أهل حيه وجيرانه، وطباع الذين يعيشون من حوله.