للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تعظيم قبره]

معاشر المؤمنين! اعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم توافرت وتواترت عنه النصوص في هذا الأمر تواتراً طيباً مباركاً صحيحاً وكل ذلك لأجل أهمية هذا الأمر، فتارة ترى النبي صلى الله عليه وسلم لعن من رفع القبور ووضع القباب والمساجد والمشاهد عليها، لعن فاعله تارة، وتارة قال: (اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فدعا عليهم بشديد غضب الله بما فعلوا، وتارة نهى عن ذلك، وتارة بعث من يهدم هذه، وتارة جعل ذلك من فعل اليهود والنصارى، وتارة قال: (لا تتخذوا قبري وثناً)، وتارة قال: (لا تتخذوا قبري عيداً) أي: لا تجعلوه موسماً يجتمع فيه كما صار يفعله كثيراً من عباد القبور يجعلون لمن يعتقدون من الأموات أوقاتاً معلومة يجتمعون فيها عند قبورهم ينسكون لها المناسك ويعكفون عليها كما يعرف ذلك آحاد كثيرة من الناس، ويعرف ذلك من فعل هؤلاء المخذولين الذين تركوا عبادة الله، هذا الخذلان العظيم، وهذا الحرمان العظيم أن يترك الإنسان عبادة الرب الذي خلقه والذي رزقه والذي يميته والذي يحيه ترك هذا كله وعبد عبداً من عباد الله لعب الدود بأنفه وعينه، وبليت عظامه، وتحرق جسمه، واختلط التراب ببدنه، أتترك عبادة الله ويعبد هذا الأسير في لحده الرهين في قبره الذي لا يملك لنفسه دفعاً ولا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ذلك الذي لا يستطيع أن يدفع عن نفسه القليل والكثير، بل إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال عن نفسه: {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:١٨٨] فانظر وهو سيد البشر، وهو خير من وطأت قدمه الأرض، يقول: إني {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:١٨٨] فما حال من هو من العصاة؟ أو من هو من المشركين؟ أو من المقصرين الذين عرف عنهم الضلال أو الخبال؟ أو كان عبداً صالحاً من الصالحين، لكنه لا يملك لنفسه قليلاً ولا كثيراً.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يجد من نفسه بعد موته لأحد من البشر نفعاً أو ضراً لنفع بذلك حبيبته فاطمة ابنته رضي الله عنها، قال صلى الله عليه وسلم: (يا فاطمة بنت محمد! لا أغني عنك من الله شيئاً) ولو كان يغني عنها من الله شيئاً لقال: يا فاطمة! إذا نزلت بك النازلة، أو حلت بك البلية، فاستغيثي بي أو توسلي بي أو اسأليني أو استشفعي بي أو تعلقي بي فإني أنفعك في قبري، وأنفعك بعد موتي، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يتبرأ من نفعه لنفسه فيقول: (لا أملك لنفسي نفعاً) يقوله صلى الله عليه وسلم، يقول: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:١٨٨] ويقول لابنته سيدة نساء أهل الجنة يقول لها: (لا أملك لك من الله شيئاً) فإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم في نفسه وفي أخص قرابته فما ظنك بسائر الأموات الذين لم يكونوا أنبياء معصومين ولا رسلاً مرسلين، بل غاية ما عند أحدهم أنه فرد من أفراد هذه الأمة وواحد من أفراد هذه الملة الإسلامية فهو أعجز وأعجز من أن ينفع أو يدفع عن نفسه الضرر، وكيف لا يعجز عن شيء عجز عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أمته بذلك كما أخبر الله عنه، وأمره الله أن يقول لأمته: إني {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً} [الأعراف:١٨٨] حتى تتعلق الأمة بالله، حتى يتحقق التوحيد لله، حتى يتجرد القصد لوجه الله، حتى لا تكون في النفس أدنى وشيجة أو أدنى صغيرة يتعلق فيها العبد بواسطة بشر من البشر في طريق توجهه إلى الله.

فيا عجباً كيف يصنع من له أدنى نصيب من علم أو أقل حظ من عرفان حتى ينفعه أو يضره فرد من أفراد أمة النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه لا أنفع، ويقول لابنته: (لا أملك لك من الله شيئاً).

والحال -أيها الأحبة- إذا علمت هذا كله أدركت ضلال أولئك الذين وقعوا في ذلك، بل هل سمعت بضلال عقول أكبر من هذا الضلال؟! وهل سمعت بجهل أعظم من هذا الجهل؟!