للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شهادة النفس]

وإليكم شهيد رابع من أنفسكم يا عباد الله: تلكم هي شهادة أنفسكم على أنفسكم، شهادة جوارحكم على أنفسكم، إن أول شهادة منكم على أنفسكم: أنكم شهدتم وأقررتم بأن الله خلقكم، أنتم شهدتم بأن الله واحد خلقكم: {وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:١٧٢] قد أخرجكم الله من أصلاب الرجال، أخرج الله ذرية آدم من أصلاب الرجال كأمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم بأن الله ربهم فشهدوا على أنفسهم، ومع ذلك فالله جل وعلا يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:١٥] وفطرتكم ناطقة حية بتوحيد الله سبحانه وتعالى، فأنتم شهود على أنفسكم، وجوارحكم شهود عليكم، يقول الله جل وعلا: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:٢٤]، ويقول جل وعلا: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت:٢٠ - ٢١] كل مجرم، كل عاص، كل رجل يحاسب نفسه يوم القيامة إلا من نجاه الله وكتب له الفوز والسعادة، يقول لجوارحه: لم شهدت يا يدي عليَّ؟ لم شهدت يا سمعي عليَّ؟ لم شهدت يا لساني عليَّ؟ {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت:٢١ - ٢٢] ومن ذا يستتر عن علم الله وملائكته والله لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض، ومن ذا الذي لا يستتر عن ملائكة الله وهم على يمينه وشماله لا يلفظ أو يفعل أو يكتب أو يقول إلا وهم شهود على فعله، فتنبهوا لهذه الشهادة من أنفسكم على أنفسكم يا عباد الله! وليحاسب كل واحد منا نفسه، وليتذكر أنه سيقف خصيماً لجلده، خصيماً لجارحته, خصيماً لسمعه، خصيماً لبصره، وقد نسي أن الله جل وعلا ينطق هذه الجوارح وينطق الجلود والأجسام فهي شهادة رابعة عليكم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.