للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بماذا ننافس أعداءنا؟]

إذاً أيها الأحبة: هذا يجعلنا نجمع صفوفنا، ونوحد شملنا، ونثبت رابطي الجأش على أمرٍ يرضي الله جل وعلا.

إننا لن ننافس أعداءنا بالتعداد، إذا كان الكفار في مختلف دول الغرب ودول الشرق مئات الملايين، والواقع يشهد إمبراطوريةً بدأت تذوب وتضمحل؛ فإن هذا تمهيدٌ لإمبراطورية أوربية جديدة، الأوربيون ينافسون الأمريكان، ويريدون أن يقفوا موقف الند للند على الأقل ألا تستأثر القوة الأولى في العالم -في حد زعمهم ومقاييسهم- ألا تستأثر بمصالح الشعوب وخيراتها، فلابد من منافس يشارك في القسمة، ومن أجل هذا بدأت أوربا تنزع الخلاف، وتزيل أسباب الانقسام، كانت كتلة شرقية وغربية، فبدأت كلها تتوجه وتتحد تحت كتلة غربية واحدة، وصدق الله العظيم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٣] ظهرت الولاية بين الألمان الغربيين والألمان الشرقيين، أزاحوا الستار والجدار بينهم، هدموا سور برلين، ووحدوا عملتهم، وشكلوا دولةً واحدة، ولا يزال الأوربيون الآن يسعون لمزيدٍ من الوحدة، ولذلك فإن في مخططهم واستراتيجياتهم، أن تكون أوربا عام ٢٠٠٠م هي أوربا الموحدة، أو دولة أوربا الواحدة، وعاصمتها بروكسل في بلجيكا، يريدون أن تكون قوة أوربية من بداية أول شبرٍ في قارة أوروبا إلى آخرها تكون دولة واحدة، وإن اختلفت شيئاً يسيراً في قوانينها الداخلية أما في الدفاع والخارجية والمواقف الخطيرة فستكون دولة واحدة تعدادها يقارب ٣٢٠ مليون نسمة دولة واحدة، يكون عدد سكانها ٣٢٠مليون نسمة أو أقل من هذا قليلاً لينافسوا الأمريكان في عددهم ٢٤٠مليون نسمة تقريباً، وماذا وراء هذا؟ أخرجوا لنا من أمة الإسلام مائة مليون على قلبٍ واحد، على هدف واحد، المسلمون عددهم في هذا الزمان مليار مسلم، أين هم إذا دعت الجراح؟ إسلام بالهوية، وبالإقامة، وبالحفيظة، وإسلامٌ بالتابعية، وبالجواز، أو بأي وثيقة رسمية، أما أن تريد هذا العدد بحقيقته، فلن تجد إلا ما شاء الله:

يا ألف مليار وأين همُ إذا دعت الجراح؟

هاتوا من المليار مليوناً صحاحاً من صحاح

من كل ألفٍ واحداً نغزو بهم في كل ساح

الكفر جمع شمله فلم النزاع والانتطاح؟

من خان حي على الصلاة خان حي على الكفاح

شعبٌ بغير عقيدة ورق تذريه الرياح

إن كنا نظن أننا بالتعداد سوف ننافس الغرب، فإن تعداد الغثاء من المسلمين الذي نشهدهم في هذا الزمان لا يقدم ولا يؤخر، بل هو زبد {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً} [الرعد:١٧] ولا يبقى إلا أقل القليل منه، وإن كنا نظن أننا ننافس الغرب بالأسلحة، أو بالتقنية أو بالتكنولوجيا، أو بالاختراع أو بالتطوير، فلنكن صادقين مع أنفسنا، نحن أممٌ متخلفة مستهلكة أمام الغرب المنتج المخترع المفكر المصدر، وهذا يعود لأسباب كثيرة لعل دورة الحضارة عبر عنصر الزمن واحدٌ من أسبابها أو من أهم أسبابها، ولكن أيها الأحبة! بماذا ننافس أعداءنا؟ بالتعداد؟ هم أكثر منا، ولن نجتمع على أهدافنا ومبادئنا كما اجتمع الكفار على أهدافهم ومبادئهم، وهذه من الجراح والمصائب والآلام، ولكن حينما يكون الطبيب صادقاً، فليصدق في تشخيص المرض، وليكن صادقاً في بيان موضع العلة وأعراضها ومظاهرها، ولن نكون أقدر منهم في مجال تطوراتهم واختراعاتهم، على الرغم من أن من شبابنا وأبنائنا من استطاع أن يقود الطائرة ويعرف أن يصلح بعض أجهزتها في الاتصالات والرادار والمعدات والميكانيكا، وأشياء معقدة، ولا يزال أبوه يرعى الغنم، هو ابن البادية، وابن الحقل والقرية والمزرعة، وابن المدينة الصغيرة المتواضعة، ومع ذلك تجده ولداً ذكياً مستوعباً لآخر ما وصلت إليه الحضارة، لكن هل وصل إلى درجة الإنتاج؟ هل وصل إلى درجة الاختراع؟ هل وصل إلى درجة التطوير؟ أقول: البعض قد وصل إلى هذا وهم قلة، وفي هذا يعجب أحد البريطانيين لما رأى عدداً من أبنائكم في هذه المعركة الماضية يبدي تفوقاً في سرعة الاستيعاب، والدقة في التصويب، والتخطيط والبرمجة، قال: عجباً لهؤلاء! لا يزالون أبناء بادية ومع ذلك ينافسوننا ونحن من صنعنا هذه الطائرة في إعداد الحسابات اللازمة لبرمجة عملها وتحديد أهدافها، فقلنا وقلت لهم: أخبروهم أن هذا عقلٌ لا يزال بكراً لم تستهلكه الخمرة، وهذه قوى لا تزال شابة لم يستهلكها الزنا والإباحية والانحطاط، فليس غريباً أن يستوعب هذا، ولكن أيها الأحبة! لا نزال نعيش واقعاً نحتاج فيه أن ننافس، فإن كنا نريد أن ننافس بالتعداد، فهم أكثر منا، وإن أردنا أن ننافس بالتقنية والاختراع، فهم أكثر تقدماً منا، إلا أمراً واحداً أن ننافس بهذا الدين، ونقول هذه ليست مقولة المضطر إليه الذي لم يجد ما ينافس به إلا الدين، فلو وجد حضارة لنافس بها وترك الدين، أو لو وجد تجمعاً نافس به وترك الدين، لا، بل نقوله ونرفعه وننافس به ابتداءً وانتهاءً أولاً وآخراً ظاهراً وباطنا، الله جل وعلا قد تكفل لكم {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:٣٨] آمنوا حقيقة الإيمان، ولا تنزعجوا من عدد عدوكم، ولا تنزعجوا من أسلحته، فالله يدافع عنكم، {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار:١٠] {قُلْ مَنْ يَكْلَأُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:٤٢] لا حافظ إلا الله.

وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان

أيها الأحبة: إذا كنا نعرف ألا نجاة للمسلمين إلا بهذا الدين، فلننظر واقع المسلمين، أهم على مستوى من الإيمان، وإثباته بالبرهان، حتى يصلوا درجة يعصمهم الله من غيرهم، ويدافع عنهم ويسخر لهم، ويغير السنن والقوانين لهم، هذه هي الحقيقة التي ينبغي على كلِّ قرد أن يجيبُ نفسه، هل يرى نفسه على مستوى الإيمان الذي به يحفظ الله الأمة؟ اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا، ولا تؤاخذنا بما فعلنا، ولا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.