للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شهادة أعضاء المذنب عليه]

الله أكبر يا عباد الله! كيف نجرؤ على الله جل وعلا بزيادة أو بنقصان {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:٦٥] لا يمكن أن يكتم عن الله شيء.

فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ومهما يكتم الكاتم الله يعلم

لا يمكن أن يكتم الله شيئاً {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت:١٩ - ٢١] لماذا تشهد؟ أيتها القدم التي لذذتك بهذه العملية، لماذا تشهدين؟ أيتها اليد التي جملتك بهذه الشيء لماذا تشهدين؟ أيتها العين التي متعتك بهذا المنظر لماذا تشهدين؟ أيتها الأذن التي أسمعتك هذا اللحن لماذا تشهدين؟ (قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ) ليس الأمر بأيدينا (أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) رب خلقنا من العدم فهل يعجز أن ينطقنا؟! رب خلقنا من التراب من مني يمنى حتى كنا نطفة فعلقة فمضغة فطفلاً فبلغنا أشدنا ثم كنا شيوخاً، ثم توفانا ثم بعثنا بعد موتنا، يعجز أن ينطقنا!! والله ما ذلك على الله بعزيز.

هكذا ظن الكفار لما وقف العاص بن وائل، وأخذ عظماً قد رمّ، فقام يفته ويفركه بين يديه وقال: يزعم محمد أننا إذا متنا وكنا عظاماً كهذا وقد أصبحنا رميماً أن الله يبعثنا! فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (نعم.

يبعثك الله ثم يحشرك إلى جهنم).

وأنزل الله جل وعلا قوله في كتابه الكريم في سورة يس: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:٧٨] هذا المعاند المتكبر العاصي نسي أنه خلق من عدم {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:٣٥ - ٣٦] {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:٧٨ - ٨٠].

قال العلماء: أورد الله جل وعلا هذه الآية إبلاغاً في دفع حجج الكفار وعنادهم في قضية البعث {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً} [يس:٨٠] الشجر يتولد من التراب والطين وأصل ذلك من الماء، العنصر الناري محرق، والعنصر المائي مطفئ مبتل، الذي يخلق من هذا العنصر المائي المطفئ المبتل يجعل منه ناراً {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:٨٠] والله قادر على أن يجعل البحار المائية والمحيطات العظيمة نيراناً متأججة {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:٦] أشعلت وجعلت ناراً.

يقف العباد يوم العرض الأكبر على الله يقولون: لم شهدتم علينا {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} [فصلت:٢١ - ٢٢] هلَّا يوم أن أردتم أن تفعلوا فاحشة أو معصية أو جريمة أو أردتم أن تتجرءوا على أمر الله استترتم يميناً أو يساراً، {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [فصلت:٢٢ - ٢٣].