للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التخطيط والعمل الجماعي في الدعوة]

إذاً: من هنا نبدأ، كل واحد منكم يستطيع أن يبدأ بداية متواضعة جيدة نافعة، من هذا الحي الذي بين يديك، ماذا نفعل؟ إخوانكم جزاهم الله خيراً قالوا: أولاً نريد أن يعرف أبناء الحي وأصحاب البيوت والمنازل أننا شباب المسجد، أننا بالتعاون مع إمام المسجد، مع إمام الجامع يهمنا أن نتعرف على جميع البيوت في الحي، ورسالة ودية أخوية: جارنا الحبيب، لعلك غافلٌ عنا، ونحن غافلون عنك، لعلك تمر فلا تعرفني، وأمر فلا أعرفك، لعلك تحتاجني في وقتٍ أشد ما تكون فيه محتاجاً إلى من يسعفك أو يعينك، أو ينقذك أو يقوم بحاجة أهلك في غيبتك فلا تجد أحداً، إني أخوك في الله، ومحبك في الله، وجارك في الحي فلان بن فلان، هذا اسمي وهذا عنواني وهذا رقم هاتفي.

رسالة أخوية، أسلوب من أساليب الدعوة، ثم ماذا بعد ذلك؟ الرسالة الثانية مظروف، مظروف نضع فيه الرسائل، لكنه ظرف كبير ونفس شباب الحي العشرة أو الإثنا عشر كل واحد منهم يتبرع من جيبه أو يحضر من المحسنين بعض المال، ثم نشتري قرابة مائة وخمسين شريطاً، ونضع في كل ظرف شريطاً، ومع كل شريطٍ رسالة قيمة وكتيباً، إذا كان الزمن قرب الحج كتاب عن الحج وشريط عن الحج والأضاحي، وفضل العشر من ذي الحجة، وكل بيت في الحي تستطيع أن تطرق الباب: السلام عليكم جارك فلان، هدية جماعة المسجد، تفضل، فتستطيع أن تغطي الحي بهذا، بعد ذلك انتهى الحج، وجرت عادة هؤلاء الشباب أن يخططوا لهذا العمل، يعني يوزعوا كل خمسة عشر يوماً على أعضاء الحي أو على بيوتات الحي شريطاً وكتاباً في الشهر مرتين، انتهى الحج توشك السنة الهجرية أن تنتهي، كتيب وشريط عن محاسبة النفس.

وأقول أيها الإخوة! خذوا هذا البرنامج وطبقوه، اكتبوه معكم، اجتهدوا في تطبيقه، فلعل الله جل وعلا أن يوقظ به مجتمعنا من الإثم، أن يرفع به المصيبة عن الأمة، أن يدفع به البلاء عن الأبناء والآباء والأمهات، والكبار والصغار، هذا وجهٌ من وجوه الدعوة، وأسلوبٌ من أساليبها وفيه خيرٌ عظيم، والله كنت أسمع في الحي الذي أنا فيه من بعض الجيران موسيقى وأغاني مزعجة، فلما قام الشباب في الحي جزاهم الله خيراً وبدءوا بهذه الطريقة؛ وزعوا على كل بيت كل أسبوع الظرف هذا وفيه شريط وكتيب، إذ بي أسمع تارة صوت القرني يجلجل، وتارةً مواعظ الحماد تجلجل، وتارةً خطب القطان تجلجل، قلت: اللهم لك الحمد، الناس بخير، الناس عندهم استعداد، الناس -أيها الإخوة! - وبالذات النساء في البيوت أرق أفئدة، أقرب عواطف، يتأثرن بسهولة، وربما التزمت واستقامت وتابت، واجتهدت في الطاعة قبل الرجل، وأعرف هذا جيداً، بعض البيوت الأب الأشهر الطويلة يقضيها في مانيلا وفي بانكوك وفي البيت الفتاة التي تحفظ القرآن وتملأ البيت بذكر الله، وتعليم أخواتها الدين والستر والحجاب.

فيا أيها الإخوة! لماذا نحرم أنفسنا؟ الكثير منا لم يجرب يوماً ما أن يكون داعيةً في الحي، أنا لا أريدك أن تسافر إلى جدة والدمام والشرقية وتلقي بها المحاضرات وتجمع الجماهير من كل مكان، لا.

أريد كل واحد منكم أن يبدأ التجربة في الحي، من هنا نبدأ، ومن الحي ننطلق.

ثم ماذا بعد ذلك؟ قام إخوانكم الشباب جزاهم الله خيراً، وأقول هذا بكل علنية، بكل صراحة، لا أخشى في ذلك شيئاً؛ لأنه ليس أمر يخشى منه، بعض الناس يقول: لا.

كيف تنشر أسلوبك في الدعوة، وتخطيطك للدعوة؟ هل أنا في دولة بلشفية؟ من أين جاءتني أفكار تجعلني أضع وأدس الحق الذي مكانه المقل والجبين والرءوس تحت الكواليس؟ من أين جاءني هذا الوهم الذي جعلني أنسج خيوطاً عنكبوتية حول نفسي، ولا أصارح وأعلن بدعوتي في منهجي وفي أسلوبي وطريقتي؟ لست بحاجةٍ إلى هذا، أنا لا أعيش بدولة كافرة؛ شيوعية أو بلشفية، أو بعثية؟ لا.

أنت في أمة مسلمة، فإياك إياك أن تحقق ظن إبليس فيك، فمن ثم يستطيع أن يقيدك ويكبلك وتظن أنك عاجز.

ماذا بعد ذلك؟ قام الشباب جزاهم الله خيراً وكل هذا أنا فيه شاهد عيان، فأنا أصف ما رأيت لا أصف ما نقل إليَّ، بعض الشباب رتبوا محاضرة، كتبوا إلى مركز الدعوة الإذن بمحاضرة، ولكن اجتهدوا أن تكون المحاضرة مخصصة لأهل الحي، إذا حضر أحد من حيٍ آخر فلا مانع، لكن اجتهدوا أن تكون المحاضرة لأهل الحي، جاء الإذن من مركز الدعوة بإقامة المحاضرة، فأرفقوا مع الإذن دعوة -صوروا هذا الإذن بعدد بيوتات الحي وصوروا مع الإذن دعوة-: جارنا العزيز! ندعوك ونتشرف بدعوتك لحضور هذه المحاضرة بالوقت الفلاني بحضور إمام المسجد، ووجهاء وكبار الجماعة في المسجد، نرجو أن نحضر سوياً، ووزعت الدعوة والإذن من مركز الدعوة مع دعوة إمام المسجد أو الجامع، مع شباب جماعة الحي إلى كل بيت، مع المظروف الذي تعودنا أن نضع فيه شريطاً ورسالة، ثم اجتمع الجيران في الوقت المحدد، وكان الحديث عن حقوق الجوار، اجتمع الجيران وإذا بنا نرى وجوهاً ما كنا نراها، وهذا يعني أن لنا جيراناً عندهم الاستعداد أن يشاركونا.

نعم.

رأينا وجوهاً متباينة مختلفة ليست على مستوى واحد من الصلاح، لكن الإطار العام فيهم: حب الخير، فيهم حب حقوق الجوار، التعاون، التناصح، التآلف، التقارب، فبدأ إمام المسجد مع ضيوف الندوة يتناقشون في قضية الجوار: نحن جيران الآن، أول مشكلة تواجهنا أطفالنا في الحي، لماذا يتعلم الطفل في الحي ألفاظاً بذيئة، نناقش هذه المشكلة يا جيراننا! ما رأيك يا أبا فلان؟ فهل من شرط الندوة: وأما الآن يتقدم فلان، ثم يقوم فلان، ويسكت الجمهور، ثم ينتهي ويقدم الأسئلة؟ لا.

ممكن أن يتناقش أهل الحي في اجتماع شهري، أو كل شهرين، المهم أن شباب الحي بدءوا يعملون فأنتجوا، ماذا تبع ذلك؟ تبع ذلك أن أصبح عدد العاملين في الحي بدل أن كانوا ثمانية شباب وهم الذين قاموا بالفكرة، أصبح عدد الدعاة في الحي أكثر من خمسة وعشرين أو ثلاثين شاباً، وهؤلاء لم يقف حد الواحد منهم عند مسألة نفع الجيران أو العمل مع الجيران فقط، لا.

بل أصبح الواحد منهم يتطعم ويتلذذ حلاوة العمل في الدعوة إلى الله جل وعلا، فلما وجد أثر الشريط والكتيب على بيته وجيرانه، وأثر الرسالة والاجتماع أصبح يدعو زملاءه في العمل ويتناقش معهم، ويعطيهم الأشرطة، ويواعدهم بالذهاب إلى المحاضرة، ويخرج معهم الرحلة، يرتب معهم العمرة، يخطط معهم الذهاب في رحلة للحج وهلم جراً، ومن ثم استطاع هؤلاء أن يقدموا أنموذجاً جيداً، فنحن أيها الإخوة! وشباب الصحوة في مختلف أنحاء الجزيرة عددٌ لا يحصيه إلا الله، عدد هائل كبير جداً، لكن حقيقة الأمر أشبههم برجل عنده ألف عامل، وكلهم ما شاء الله يلبسون الزي الرسمي للشركة، افرض هذه الشركة شركة دعوة، وزي الشركة البدلة الكاملة مكتوب على صدر العامل (دعوة) فتجد رئيس الشركة قد وظف مائتي عامل، ثمانمائة عامل مكملين بالزي لا أحد يمارس أي نشاط أو أي دور أو وظيفة في الدعوة، فأقول: هذا ينطبق على كثيرين من شباب الصحوة، تجده ملتزم الزيِّ الكامل؛ السمت، توفير اللحية، تقصير الثوب، الحرص على أمور طيبة، تجد الرجل متصفاً بالزي المناسب أو المطلوب شرعاً في هذه المهمة، لكن أين العمل؟ أين الخطوات الإيجابية؟ لا تجد شيئاً أبداً، لماذا يا أخي؟! أليس القادة، أليس الدعاة يقولون للناس: تعالوا نقودكم إلى نهج الخير والصلاح؟ جاء العامة والناس والتزموا، قالوا: يا الله! ها قد جئناكم ولحقناكم؛ وفرنا لحانا، وقصرنا ثيابنا، واستقمنا، أعطونا الجديد، مما عندكم، نقول: تعال وقف جنبنا، والحقني وقف جنبي ما استطعت، إذاً أن أقدم معه شيئاً ووقفت أنا ومن أدعو في خطٍ واحد، وهنا يكمن الخطر، ربما ضياع البرنامج أو عدم وجوده هو الذي يشغل هذه النفوس، يردها إلى انتكاسة، إلى انحرافٍ بعد استقامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فالمسألة -أيها الإخوة! -: حساسة جداً جداً، يتطور الأمر، بدأ عند هؤلاء الشباب لما كثروا بعد أن كانوا في البداية ثمانية، أصبحوا قرابة خمسة وعشرين أو ثلاثين داعية، لما كثروا ماذا حصل؟ قالوا: الآن ما شاء الله صرنا كثرة، كم عدد محلات الفيديو عندنا في الحي؟ عندنا ثلاث محلات فيديو، ما رأيكم أن ننقسم إلى ثلاث مجموعات؟ المجموعة هذه تزور المحلات يوم السبت، وهذه تزور المحلات يوم الإثنين، وهذه تزور المحلات يوم الأربعاء، لا صراخ ولا زعاق ولا تعويل، ولا صياح ولا نياح، تدخل على صاحب المحل: السلام عليكم، كيف الحال؟ (عساك طيب؟) (ويش لونك؟) إنَّا والله جيرانك في هذا الحي، وتفضل هذه رسالة، رسالة التنبيه بخطر، أكل الحرام، شرب الحرام، ما ظنك لو مت وأنت في هذا المحل؟ ما ظنك لو مت: هلك هالك عن خمسة آلاف شريط فيديو وستين جهاز GVC، وثلاثين جهاز سوني، هذه التركة، والمسألة من ستة، للأم السدس أم كيف نفعل بها؟ لو مت؛ أيسرك أن تلقى الله وهذه تركتك.

أيها الأخ! ربما لا تجد في السوق كتيباً أو رسالة مناسبة لصاحب محل فيدو أو محل أغاني، لكن إذا لم توجد رسالة جاهزة، اجتمع أنت وإخوانك وصوغوا رسالة بهذا الموضوع حساسة جميلة، اعرضوها على أحد طلبة العلم يُحبِّرها لكم، ثم تطبعها أنت، وربما تأخذ بها الإذن، وقد لا تحتاج إذناً وتوزعها أول ما تزور صاحب المحل، أو تكتبها رسالة خطية: تفضل يا أخي! هذه رسالة أرجوك، لست أرجو منك إلا أن تقرأها في لحظةٍ من هدوء نفسك وفراغها.

فيا أيها الإخوة! أصبح العمل متطوراً، بدل أن كان عمل جيران فقط، تطور إلى مسألة دعوة الوجوه الموجودة، وأضرب لكم مثالاً: واحد من الشباب الذين يعملون معنا في الحي جزاهم الله خيراً، قال لي: أريدك، قلت: ماذا عندك؟ قال: هناك شاب يعمل في بنك يريد أن يتوب.

المسألة تطورت، الدعاة بدءوا يدخلون البنوك، كيف ندخل إلى هذا الشاب؟ قلت: ابحثوا عن شاب كان يعمل في بنك فتاب إلى الله، وائتوا به معنا، فأخذنا هذا الشاب الذي كان يعمل في بنك من البنوك، ثم التقينا بهذا الشاب الذي لا يزال يعمل في البنك، وبدأنا نتحدث ونتكلم وهلم جراً، حتى دار الكلام عن العمل، فقال: والله إني أريد ترك العم