للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المعوقات]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراًَ.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتُها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة: كما وعدنا في صدر هذه الخطبة أن يكون الحديث عن المعوقات، فهذا أوان الشروع في المقصود.

عباد الله! إن في مجتمعنا أولياء ظلمة، إن في هذه الأمة من أولياء المعوقات -والله- ينسبون إلى الظلم والظلمة، ألا يخشون الله فيما بين أيديهم من المعوقات؟ ولم أبحث معكم، أو أتكلم به أمامكم إلا بعد اتصال بعدد من المعوقين والمعوقات، وأخبرتكم في الجمعة الماضية ما الذي يفعله بعضهم، أو يشكو منه بعضهم تجاه مشاكله وإعاقته، واليوم اسمعوا إلى فتاة لها معونة سنوية من الدولة -أعزها الله- أبوها ووليها يصادرها ويأخذها في شهواته وملذاته، قد يقول قائل: أنت ومالك لأبيك، وأقول: إن شأن من ابتلي ببلية، وأعطي وليه مكافأة، أو معونة لتحسين حاله ينبغي أن يثمرها، وأن ينميها في عقار، أو في أسهم شرعية، أو في تجارة مناسبة حتى ينمو هذا لصاحبه، فإذا يسر الله له يوماً من الأيام زواجاً، أو حظاً مباركاً، كان له من المال -والله هو الرزاق ذو القوة المتين- كان له من المال ما يعينه على نفسه، لا أن يأكلها الأب، ويراها مناخاً أو شرهةً، أو عادةً يأكلها، وبين يديه من ابتلي ببلية في يده، أو قدمه، أو شيء من التخلف في مستوى ذكائه، ولا ينفقها لأجل تحسين تعليمه وتربيته، هذا -والله- من الظلم، وهذا لا يجوز أبداً.

كذلك -أيها الأحبة- فتاة معوقة تشكو أن أباها لم يعرض عليها أمر الزواج أبداً، وهي تعلم أنه يتقدم إليها من المعوقين من يرغب الزواج منها، وأبوها يرفض أن يزوجها، ما دامت رغبت هذا الحظ والنصيب فما الذي يجعلك تردعها وتمنعها؟ أتحرمها أن تتزوج فيدور عامٌ أو عامان، فتنجب طفلاً أو طفلةً صحيحةً سويةً سليمةً، وما أسرع مرور الأيام والأعوام، ثم يكون هذا الطفل شاباً جلداً يرعاها ويتولاها، وينفق عليها؟ أتظن أن هناك ما يمنعك من تزويجها؟ والله إن من كانت عنده كهذه، فرغب من الزواج منها فمنعها بحجة أن من تقدم إليها ليس سوياً كامل البنية، فإنه آثمٌ آثمٌ آثم، لا يجوز فعله، وابنته حجيجته أمام الله، فلينظر مظلمتها، وما تأخذ من حسناته، أو تعطيه من سيئاتها.

كذلك -يا عباد الله- ينبغي للأولياء من كانت عنده بنية معوقة أن يتلطف، وأن يبحث لها عن زوجٍ، ينبغي أن يحمل همها وشأنها، لا أن يكون قصارى همه وجهده أن يجعل لها عربية في البيت، أو يجعل لها حجرة مستقلة، فيضع التلفاز أمامها، وأنواع الفيديو بأنواعها، ثم يقول: ما قصرت معها، وأمامها كل المغريات، وكل وسائل الترفيه، والله لقد قتلتها فوق أمرها، ولقد ذبحتها فوق ذبحتها، والله ثم والله إنك لا تزيدها إلا هلاكاً، وإن من واجبك أن تبحث لها عن زوج حتى لو كانت ثانية وثالثة.

واعجبوا -يا عباد الله- إلى الطوائف المنحرفة والمذاهب الضالة الذين يزوجون المعتوهين والسفهاء والمجانين، يزوجونهم العوانس وكبيرات السن اللائي لم يتقدم لهن أحد، يقولون: هذا معتوه، لكن يخرج من نسله صحيح سوي، وهذه مجنونة، ويخرج من نسلها صحيح سوي، ويكاثرون أمة السنة، ويكاثرون أمة العقيدة والتوحيد يريدون أن يكونوا أكثر منهم بأي سبيل وأسلوب حتى ولو بتزويج السفهاء والمجانين والمعتوهين وكبار السن، وغير ذلك.

فنحن -يا عباد الله- انطلاقاً من أمر الله لنا، ورحمةً بإخواننا، وذكراً للفضل بيننا ينبغي أن ننتبه للمعوقات في مجتمعنا، وأن نسعى بكل ما نستطيعه بتيسير شئون زواجهن، وترتيب ذلك، وتقريب وجهات النظر بين من يبحث عن زوجة، وبين من تبحث عن زوج، فنقرب هذا من هذا، وإن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، وينبغي أن نجمع لهم ما تجود به الأنفس، وتطيب به الخواطر، فنهيئ لهم المكان والسكن والوسائل المناسبة لخدمتهم ورعايتهم حتى يأتي اليوم الذي تنشأ فيه ذريتهم، فيقوموا بخدمتهم وعنايتهم.

أما أن نظن أن قصارى همنا وجهدنا أن نعلمهم الطبل والزمر، وأن نخرج لهم الأفلام والمسلسلات، ونقول: إنا قد قمنا بحقوق المعوقين علينا، فما-والله- قمنا بحقٍ، بل بذلنا لهم بلاءً إن نحن فعلنا ذلك، وغفلنا عن تربيتهم وتوجيههم على الإسلام، والله ثم والله إنه يندر أن تجد من يفهم الفكرة الإسلامية الصحيحة في مسألة البلاء والامتحان، أو قضاء الله وقدره، فتراه راضياً مطمئناً، بل أكثرهم تجدهم من الساخطين على المجتمع، أو من الساخطات على المجتمع، ولو كان جل ما تعلموا أو نشئوا عليه أن يعلموا أولاً وبادئ ذي بدء أن قدر الله حكمةٌ وعدلٌ، ولطفٌ ورحمةٌ، وأن هذا عين الرحمة من الله بهم، لكان أول ما نرى منهم الرضا، والاستعداد، والإيجابية في كل مجال يعرض عليهم، لكن نظن أنهم بحاجة إلى اللهو والطرب، أو بحاجة إلى أن ننسيهم واقعهم، لا والله، بل يتذكروا أنفسهم ويتلذذوا بهذه المنحة.

يقول أحد مفكري الإسلام: ومن عرف ربه، وعرف ثواب ربه، تكون المحنة عنده منحة، يوم أن نعلمهم هذا تكون البلية بالنسبة لهم نعمة وشهادة وشفاعة، ويكونون بها أقرب إلى دخول الجنة من غيرهم، هذا هو الفكر والعلم الذي ينبغي أن يعمق في أذهانهم بعد التوحيد بادئ ذي بدء.

أسأل الله جل وعلا أن يوفق الجميع إلى ما يرضيه، وأسأله سبحانه وتعالى أن يوفق من له ولدٌ معوقٌ، أو ابنةٌ معوقةٌ إلى تنشئتهم وتربيتهم وتعليمهم وتزويجهم، والعناية بهم حتى يكون لهم أكبر الأثر وأطيب المكانة في أنفسهم ومجتمعاتهم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء! اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم أصلح بطانته، اللهم أصلح جلساءه، اللهم قرب منه من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، واجمع اللهم شمله وإخوانه وأعوانه على ما يرضيك يا رب العالمين! وسخر اللهم لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، ربنا لا تشمت بنا ولا بهم حاسداً، ولا تفرح علينا ولا عليهم عدواً.

اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم وحد صفهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اجبر كسرهم، اللهم فك أسرهم، اللهم انصرهم بنصرك، وأيدهم بتأييدك، وأهلك أعداءهم يا جبار السماوات والأرض، فإنهم لا يعجزونك.

اللهم انصر المجاهدين في الفليبين، اللهم انصر المجاهدين في أثيوبيا، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! اللهم أقم علم الجهاد في جميع دول العالم الإسلامي المغتصبة، اللهم أقم علم الجهاد، ورد بلدان المسلمين إلى حوزتهم، اللهم أقم علم الجهاد في قعر ديار الكفار، وأهلك الظالمين بالظالمين، اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرج أمة محمد من بينهم سالمين.

اللهم اهد شبابنا، اللهم أرنا فيهم خيراً مما نرجو، اللهم أرنا فيهم ما يرضيك ويسرنا ويثلج صدور المسلمين أجمعين، اللهم وفقهم واعصمهم، وأصلح جلساءهم، واهدهم يا رب العالمين! اللهم اهد بناتنا، واستر زوجاتنا، اللهم جنبهن الاختلاط والتبرج والسفور والتبذل، اللهم اجعلهن خير الأمهات لهذا الجيل يا أرحم الراحمين! اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.