للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإبادة بالإحراق في جهنم]

أخي الحبيب: أما عن درجات العداوة فلا شك أن عدوك يبدأ أولاً بمحاولة إبادتك عن الوجود إبادة كلية، وأي عداوة أخطر من عداوة إنسان لنفسه عداوة شيطان ونفس أمارة بالسوء تجرُّ صاحبها إلى جهنم، هل هناك إبادة أعظم من نار جهنم؟ {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:١٩ - ٢١]، هل هناك عداوة أشد وأخطر من عداوة تنتهي بإحراق الإنسان في جهنم؟ بل عذابٌ متجدد {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:٥٦].

أيها الأحبة: لندرك جيداً أن الإبادة هي هدف من أهداف العداوة، فشيطانك الذي هو عدوٌ لك لا يألو جهداً في أن تكون نهايتك إلى النار، ليس من شرط الإبادة أن يبيدك الآن برشاش، أو بطلقة نارية، لكن ما كان أخطر من ذلك أن تكون إبادة دائمة ألا وهي إغراق الإنسان في الذنوب، وقبوله بالهوان، وتدحرجه في المعاصي والمنكرات حتى ربما قاده الأمر إلى موت على فتنة وضلالة، أو كفر، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وحينئذٍ قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود:١٠٦]، تصور إنساناً يصيح وينوح ويبكي ويتقطع، زفير وشهيق من شدة العذاب، ومن شدة الألم، قد يتألم الإنسان، ولكن ما يبلغ به الألم، لكن من شدة الآلام {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} [فاطر:٣٧]، ويصطرخون أبلغ من يصرخون، والزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى؛ لأن الاصطراخ فيه نوع إيحاء، أو فيه نوع وصف بأن النار متجلجلة، والصدى فيها متردد، يصيح ويصرخ ذلك المعذب، ثم يعود إليه الصوت في وقت هو يرفع صرخة جديدة ً، هذا العذاب الشديد الذي هو أخطر شيء، وهو هدفٌ من أهداف العداوة {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} [هود:١٠٦].

إذاً: ليس من شرط أهداف العداوة الأولى وهي الإبادة أن تكون الإبادة فورية، لكن أخطر من الإبادة الفورية الإبادة طويلة المدى {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٦ - ١٠٧]، قد يعاديك إنسان فيقتلك الآن {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ} [آل عمران:١٦٩]، فليست الإبادة الفورية دليلاً على العداوة في كل حال، أو ربما كانت من طرفك دليل عداوة، لكن ليس منتهاها دليلاً أنك بعداوة نفسك قدت نفسك إلى العداوة، أو إلى مؤداها، ربما كانت هذه طريقاً إلى الجنة والخلود في الجنة، لكن قد تعيش حياة في إضاءة، ونور، وقصور، وطعام، وشراب، وأكل، في بيوت، وأمن، وشيء من الرفاهية والنعيم، لكنها هي طريق إلى إبادة طويلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!