للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل شهر رمضان]

الحمد لله الذي شرع لعباده المؤمنين ما يقربهم إلى مرضاته وجنانه، وحرم عليهم ما يبعدهم عن سخطه ونيرانه، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، تركنا على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى عملاً بأمره ووصيته للأولين والآخرين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

معاشر المؤمنين: جمعتكم هذه هي الجمعة اليتيمة في شهر رمضان، وبعد أيام قليلة تستقبلون شهراً كريماً وموسماً عظيماً، رحمة من الله بكم، يوم أن كان في سابق علمه أن أعمار هذه الأمة قصيرة، شرع لهم من العبادات ما ينافس فيه أهل هذه الأمة الأمم السابقة فيكونوا أكثر أعمالاً، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم هم الأولون الآخرون، هم الأولون في الدرجات والبركات الآخرون في الزمان.

فيا عباد الله! لا أشك أن الواحد منكم لا يعلم فضل هذا الشهر وما فيه من الأجور العظيمة التي منَّ الله بها عليكم جميعاً.

لا أظن أن أحداً منكم يجهل أن من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه.

ولا أظن أن واحداً منكم يجهل أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الصيام لله والله يجزي به، وأن الأعمال مضاعفة والحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لله والله يجزي به، وليس لجزاء الله وفضله عدد ولا حساب، فهو الذي يوفي أجره وفضله لعباده المؤمنين بغير حساب.

ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الريان باب من أبواب الجنة، باب عظيم أعده الله للصائمين.

ولا نظن أن مسلماً يجهل أن هذا الشهر فيه ليلة خير من ألف شهر وهي ليلة القدر.

ولا نظن أن مسلماً يجهل أن الجنة تتزين لعباد الله المؤمنين، والله جل وعلا يقول لجنته: (يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة ويتحولوا إليك).

ولا نظن أن مسلماً يجهل أنه إذا دخل شهر رمضان، أغلقت أبواب النيران، وفتحت أبواب الجنان، وصفدت مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه من بني آدم فيما سلف من الزمان.

فيا عباد الله: هذه أمور من الكتاب والسنة كلكم يعلمها، ولا نظن أن أحداً يجهلها، ولكن مع هذا كله لا نجد استجابة ولا نجد فرحاً أو نجد فرحاً يسيراً، والبعض قد يستقبل هذا الشهر وهو على كراهية وبغض لقدومه؛ لأنه يحرمه من ملذاته المحرمة وشهواته الباطلة.

يا عباد الله: اعلموا أن المنة لله عليكم يوم أن شرع لكم في اليوم والأسبوع والسنة عبادات مختلفة تتقربوا بها إلى رضوانه؛ لكي تبلغوا أعلى الدرجات من جنانه، وإلا فإن الله غني عن العباد أجمعين، ما خلقكم ليستكثر بكم من قلة، وما خلقكم ليستعز بكم من ضعف: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان:٢٦].