للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا تعطى الدعوة فضول الوقت]

أيها الإخوة في الله! موضوعنا اليوم قد لا يستهوي كثيراً من إخواننا، ولكنه يهم طائفة حريصة على تلمس أسباب الدعوة، واكتشاف أقرب الطرق والمداخل إلى قلوب البشر، ونشر أعظم قدر من الخير في كل مجال وفي أسرع وقت؛ لأننا في سباق مع الزمن، ولأننا في مواجهة وتحد خطير من قِبل أعداء الإسلام الذين ما تركوا شاذَّة ولا فاذَّة، ولا قليلاً ولا كثيراً إلا وجعلوا منه سبيلاً أو وسيلةً إلى ضرب الإسلام وأبنائه وتشويه الإسلام وأصوله؛ لأجل ذلك كانت الحاجة ماسة إلى عرض الإسلام بصورة ناصعة، وليس هذا أمراً جديداً، والحاجة أيضاً ماسة إلى بيان جوانب الجمال والتألق، وجوانب العز والكرامة، والسعادة والطمأنينة فيما شرعه الله جل وعلا، وأودعه في كتابه وما جاء على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

وإن كنا وإياكم لا يخفانا أن مِن السمات الطبيعية لدين الإسلام: أن هذا الدين حينما يخالط قلباً نقياً فلن تجد صاحب القلب جامداً، وهذا الدين حينما ينزل بفؤاد على درجة من الشفافية والصفاء والنقاء، فلن تجده جُثَمَةً قُُعَدَةً رُقَدَةً، بل ستراه جَوَّاباً، وستجده جَوَّالاً، لا يقر له قرار ولا يهدأ له بال إلا يوم أن يشعر أن في ساعته بل في دقيقته فضلاً عن يومه وأسبوعه، أنه قدم شيئاً للإسلام والمسلمين.

ولأجل ذلك قلت: إن هذا الموضوع قد لا يستهوي الكثير؛ لأن كثيراً من إخواننا -ولعلي واحداً منهم- عبث بهم الكسل، وظهر عليهم التسيب في الوقت، وتضييع أنْفَس مراحل العمر ألا وهي: الشباب، في أمور قد تكون من باب الاشتغال بالمهمات دون الأهم منها، أو في أمور مباحة، وقد ترك الكثير منا الاهتمام بأصول وفروع ونشر هذا الدين ودعوة الناس إليه، قد جعلناها من فاضل الأوقات، فلو أن واحداً منا كتب على ورقة برامج أعماله في هذا الأسبوع، ستجده: أولاً: ربما كتب إصلاح ما نقص من السباكة في المنزل.

ثانياً: تفقد الكهرباء.

ثالثاً: شراء ملابس موسم الشتاء.

رابعاً: زيارة لفلان وعلان.

خامساً: الدعوة إلى الله جل وعلا.

فنجعل الدعوة هي فيما فَضَل من أوقاتنا، وإذا جعلناها فيما فَضَل من أوقاتنا، فإنا نجعلها في مؤخرة اهتماماتنا.

ولأجل ذلك أيها الإخوة لا غرابة أن نجد تأخر المسلمين حتى في بلادهم، لا غرابة أن نجد تأخر أبناء الإسلام في بلاد الإسلام، وتخلفهم في عرض الدعوة إلى الله جل وعلا، لأنها لم تكن إلا عند الأقلين منهم هماً يشغلهم صباح مساء، ولو أن واحداً جعل الدعوة همه كما يهتم الحبيب بحبيبه، لأدرك قول القائل:

لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يُداريها

وقول الآخر:

جهد الصبابة أن تكون كما أرى عين مُسَهَّدة وقلب يخفقُ

نعم أيها الأحبة! إن من شغله شيء، لا تراه يصبح إلا وهو يتلجلج ويدور في خاطرة ونفسه وصدره، ولا يمسي إلا وهو يفكر به، ولا يذهب أو يحل ويرحل إلا وتجده ديدَنَه ونشيدَه وهُجَيْراه، أما الكثير منا: نعم لقد تبنا إلى الله، لقد استقمنا على مرضاة الله، نسأل الله أن يكون ذلك خالصاً لوجهه، على ما فينا مما ستره الله علينا وجمَّلنا بإظهار محاسننا وإياكم بين الناس، ولكن.

وقفنا هنا!