للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اغتيال الشيخ عزام رحمه الله]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياًَ مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

معاشر المؤمنين: عقيدتنا وعقيدة كل مسلم على وجه هذه البسيطة ألا يموت أحد قبل أن يستوفي رزقه وأجله، والأرزاق والآجال بيد الله جل وعلا، لو اجتمع الجن والإنس وكان بعضهم لبعض ظهيراً، على أن يؤخروا أجل مسلم ولو يوماً واحداً، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

ولو اجتمع الجن والإنس وكان بعضهم لبعض ظهيراً على أن يخطفوا دقيقة واحدة من أجل المسلم لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً.

عباد الله: يقول الله جل وعلا: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:١٥٤] فلو أن عبداً من عباد الله قدر موته في بلدة بعيدة، لتهيأت له أسباب السفر إلى أن يبلغ برجله وإرادته البلاد التي تخطف روحه فيها.

فيا عباد الله: الموت أمر سهل هينٌ ميسور بالنسبة لفهمه، وبالنسبة لميعاده وأجله، لكن الأمر كل الأمر في الاستعداد للموت ولما بعد الموت.

عباد الله: يقول الله جل وعلا: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤] واعلموا أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: وإن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فتنفح فيه الروح ويؤمر الملك بكتب أربع كلمات، بكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد) فالرزق والأجل محدود معدود معلوم مقسوم وكل واحد منا جنين في بطن أمه.

أحبتي في الله: أسوق هذه المقدمة الطيبة من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لأذكر لكم واقعة كلكم عرفها وتلقاها بواسع الرضا بقدر الله جل وعلا، ألا وهي استشهاد أمير المجاهدين العرب عبد الله عزام رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في مستقر رحمته، وخلف أهله وذريته بخير منه، وخلف المجاهدين بخير منه.

عباد الله: منذ جمع ماضية وليست الجمعة الماضية كانت محاولة باءت بالفشل دبرت لاغتياله رحمه الله حيث وضعت مادة متفجرة تحت المنبر الذي يخطب عليه، وقبل وصوله إلى المسجد بدقائق معدودة اكتشفها عامل النظافة فأخرجها مع مشاركة رجال البوليس والأمن، ونجاه الله جل وعلا حيث لم تكن ساعته، ولم تحن منيته.

ثم بعد ذلك تعرض لمحاولة أخرى كانت خاتمة الشهادة بالنسبة له، كان ماضياً بسيارته إلى المسجد ليخطب الجمعة في المصلين والمجاهدين، وبينما السيارة في طريقها إذ مرت على عبوة ناسفة شديدة الانفجار وضعت في أنبوب مد عرضاً تحت السيارة، فما أن قاربته السيارة إلا وانفجرت شطرين، انفجرت القنبلة وتلك المادة الشديدة الانفجار، وانشطرت السيارة التي كانت تقله رحمه الله، وكان معه ولداه، تناثرت الأشلاء، وتطايرت الدماء، وسالت على الأرض لتشهد كل بقعة من البقع التي وقعت عليها قطرات الدماء بأنهم ماتوا وهم في طريقهم إلى توحيد الله وكلام الله، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، بأنهم ماتوا وهم في طريقهم للركوع والسجود، بأنهم ماتوا وهم في طريقهم ليشهدوا جماعة الملائكة، وجماعة المصلين، فرحمك الله يا عزام رحمة واسعة.

واعلموا -يا عباد الله- أن هذه الحادثة لا تجعلنا نظن أنه لو لم يسلك هذه الطريق لنجا، بل في علمنا أنه لو كان في بيته لمات في تلك اللحظة التي انفجرت فيها سيارته، ولو كان في بر أو في بحر أو في طائرة أو في سفينة أو في قصر مشيد لمات في لحظته التي انفجرت بها السيارة {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:٧٨] يموت الإنسان ولو كان في بروج مشيدة، يوم أن تدق الساعة الأخيرة من عمر الإنسان.

لكن -يا عباد الله- قفوا وتأملوا هذه الحادثة، هذه الحادثة الشنيعة التي تنم عن حقد دفين على الجهاد والمجاهدين، وهل بعد هذا وقبله يبقى مسلم ساجد يجهل العداء بين الصهيونية والإسلام، أو يجهل العداء بين الشيوعية والإسلام، أو يجهل العداء بين النصارى والمسلمين، أو يجهل العداء بين ذوي الأفكار المنحرفة، والتيارات الهدامة، والمذاهب المفسدة، مع الإسلام والمسلمين.

أسلوب التصفية الجسدية، أسلوب قديم، حاول الكفار واليهود أن يغتالوا نبينا صلى الله عليه وسلم، وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يحفظه وأن الله يعصمه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧].

مات صلى الله عليه وسلم ثم خلفه أبو بكر الصديق، ثم خلفه عمر وانتهت بتصفية جسدية، طعن رضي الله عنه وهو في المحراب شهيداً يصلي بالمسلمين صلاة الفجر، ثم خلفه عثمان فتسور القتلة بيته وقتلوه في قعر داره، ثم خلفه علي بن أبي طالب ومات بالتصفية والاغتيال، ذلك شهادة لهم من الله في منازل الأنبياء والشهداء، ولا يزال التاريخ يعيد نفسه جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن.

عمر بن عبد العزيز مات مسموماً رضي الله عنه، وهكذا مات كثير من سلاطين الإسلام وأئمة الدين وعلماء الشريعة بهذا النوع من التصفية، وهذا الأسلوب الوحشي الهمجي، حتى جاء عصر فيه إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله رحمة واسعة، ولما خرج من العيينة أرسل وراءه من يشيعه، فإذا بلغ مكاناً معلوماً أمر بان يسل السيف عليه، ويبين رأسه من جسده، فلما رفع السيف وهم أن يقتله عصمه الله، وجمدت يد القاتل وجمد السيف في يده، فعلم ذلك الذي وكل بقتله أن هذا ولي من أولياء الله، عصمه الله بعصمته، فولى أدباره وعاد منكسراً، وحفظ الله إمام الدعوة، وبعد ذلك توالى العداء إلى أن بلغ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، حفيد إمام الدعوة، لما أعلن شرك ووثنية الذين يطوفون بالقبور ويدعون من دون الله، ويستغيثون بالموتى وينذرون لأضرحتهم ويذبحون لها، ضايق ذلك الشياطين، فأسروه وأخذوه ووضعوه في فوهة المدفع.

وقبل أن يضعوه فيه عزفوا الموسيقى تبكيتاً وعناداً له، يعلمون أنه رباني بوحي الله، رباني بكلام الله، يغيظه مزمار الشيطان وكلام الشياطين، فعزفوها أمامه ثم كتفوه وربطوه، ووضعوه في فوهة المدفع ثم ألقوا المدفعية، لتنطلق كلمة التوحيد، وتنطلق أشلاؤه متناثرة في ذلك المكان، وماذا بعد ذلك؟ أنشر فكره وانتشر علمه، ذلك المحدث الجليل حفيد إمام الدعوة، الشيخ سليمان الذي كان يقول: إني لأعرف رجال الحديث أكثر من معرفتي بأهل الدرعية يوم أن كان ساكناً فيها، يعرف الأسانيد والمتون والرجال، بتلاميذهم ومشايخهم، علماً أعظم من علمه برجال الدرعية.

الله أكبر يا عبد الله! كانت نهايته تصفية جسدية، وها هو التاريخ يعيد نفسه، منذ سنتين أو ثلاث فجرت طائرة تقل رجلاً كان نعم العون للمجاهدين وهو ضياء الحق رحمه الله رحمة واسعة، وعفا عنا وعنه، والآن تفجر سيارة عزام، بأولاده ومن معه، وهكذا يستمر أعداء الإسلام، يستمرون في أسلوب التصفية الجسدية، ظناً منهم أن هذا يكبت صوت الحق، ويكتم أفواه رجاله، ولكنهم جهلوا أن موت الرجال انتشار للفكر، وأن موت الأرواح وأرواح الشهداء لا تنتهي، وأن موت الأجساد انتشار للدعوات والمبادئ، قتلوه قتلهم الله، وانتقم منهم، وفضحهم على رءوس الخلائق.