للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على عمارة بيوت الله وفضل المشي إليها]

ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على بناء المساجد في الحديث الذي رواه الشيخان: (من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله؛ بنى الله له بيتاً في الجنة) وفي رواية: (من بنى مسجداً لله ولو كمفحص قطاة) ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً كان أول عمل قام به بناء المسجد، وذلك لأهميته، ولا غرو ولا عجب في ذلك، فالمساجد بيوت الله، ومأوى ملائكته، ومهابط رحمته، ودور عبادته، وهي ملتقى عباده المؤمنين، رتب الله على وجود المساجد أجوراً عظيمة، وخيرات عميمة، فجعل سبحانه المشي إليها سبيلاً لرفعة الدرجات، ومحو الخطايا والسيئات، يقول صلى الله عليه وسلم: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح) ويقول صلى الله عليه وسلم: (من راح إلى مسجد الجماعة، فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب حسنة ذاهباً وراجعاً) رواه أحمد بإسناد حسن، والطبراني، وابن حبان في صحيحه.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (إلا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط! فذلكم الرباط! فذلكم الرباط!) ويقول صلى الله عليه وسلم: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) رواه أبو داود.

وهذا الفضل يفوز به الذين يحافظون على صلاة الفجر في المساجد، إذ أن تمام الظلمة في ذلك الوقت وفي صلاة العشاء أيضاً، أما الذين يتكاسلون عنها، ويتهاونون بها، فإنهم على حرمان وغبن عظيم، إذ يفوتون على أنفسهم، فالنور التام يوم القيامة -برحمة الله وفضله- إنما هو للمشائين في الظلم إلى المساجد يبتغون ما عند الله، والذي يعمر المساجد بالصلاة فيها مع الجماعة مشهود له بالإيمان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان) قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:١٨] رواه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، في صحيحيهما.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة) وروى البخاري: (إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يقم من مصلاه أو يحدث) فكل هذه الأجور، وكل هذه الفضائل والخيرات متعلقة بعمارة المسجد بالصلاة فيها مع الجماعة والذكر والدعاء والتلاوة والقرآن.

فما حال الذين لا يعمرون المساجد بالصلاة فيها مع الجماعة، الذين يصلون في بيوتهم، الذين يصلون فروضاً في المسجد، ويتركون أغلب فروض اليوم فيصلونها في بيوتهم، هل ينالون فضل السعي إلى المسجد؟! كيف يسعى إلى المسجد وهو يصلي في بيته؟! هل ينالون فضل نور المشائين في الظلم إلى المساجد وأحدهم يصلي بجوار فراشه؟! هل ينال فضل دعاء الملائكة له بقولهم: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وهو لا يصلي إلا حينما يفرغ من شغله، سواء فوت الصلاة مع الجماعة أو أخرها إلى التي تليها عياذاً بالله من ذلك؟! إن الذين يتركون الصلاة مع الجماعات ليسوا من عمار بيوت الله، ويفوتون على أنفسهم ثواباً وفضلاً عظيماً، فيا غبن صفقتهم! ويا خسارة تجارتهم! عباد الله: ما دامت هذه الأجور العظيمة مرتبطة ومبنية على وجود المساجد، وعمارتها والصلاة فيها، وما يترتب على ذلك من السعي والمشي إليها، فالله الله! بالتبكير إلى المساجد ولا تتهانوا بها، وكونوا من عمارها تشهد الملائكة لكم عند ربكم، يقول صلى الله عليه وسلم: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، فإذا جاء الليل صعد ملائكة النهار إلى الله، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم فيقول: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهو يصلون) فيا فوز من شهدت له الملائكة عند ربه بالصلاة مع الجماعة! ويا خيبة من خسر هذه الشهادة بالصلاة في داره وبيته! عباد الله! إن التأخر عن الصلاة رويداً رويداً مما يجر الإنسان إلى تعطيل عمارة المسجد، والتهاون بذلك، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) رواه مسلم.

عباد الله! إن عدم عمارة المساجد بالصلاة فيها مع الجماعة قد يجر إلى تعطيل الجماعات، وتعطيل الأذان، وإن التأخر عن الصلاة والتهاون بها من صفات المنافقين الذين لا يشهدونها مع الجماعات ويتهاونون بها، ولقد وصفهم الله بقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:١٤٢] ويقول الله أيضا: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة:٥٤].