[الله هادي كل شيء!]
هدى الطفل يوم أن وضعته أمه لا يعرف شيئاً ولا يبصر شيئاً، فهداه إلى ثدي أمه ليجد فيه اللبن، وهدى النملة لتخزن قوتها استعداداً لفصل دون فصل، ولشتاء دون صيف، وهدى النحلة أن تطير آلاف الأميال لتأخذ الرحيق وترجع مرة ثانية إلى خليتها، وهدى الحمام يوم ينقل الرسائل من مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد، لا يضيع ولا يضل ولا يزيغ.
يقول كريسي موريسون: إن النحلة لا يمكن أن تهتدي لتعود إلى خليتها ولتعود إلى مكانها بعد أن تطوف مسافات بعيدة لتمص وتمتص رحيق الأزهار، لا يمكن أن تعود إلا وقد استخدمت آلة لتحدد الطريق والاتجاهات.
وسماها إريل، أي يقول: إن هذه النحلة تحتاج إلى إريل لتعلم أين مكانها وإلى أين تتجه.
إنه يقول ذلك لأنه جاهل، ولكن من يعرف الحقيقة يعلم أن الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى هدى النحلة وقد ذهبت مكاناً بعيداً لتعود إلى مملكتها وإلى خليتها.
هل تعلمون أن النحل أول ما يخرج من الخلية نحلة واحدة -إن النحل منظم غاية التنظيم- ثم تبحث، فإذا وجدت حقلاً ومرتعاً يرتع فيه النحل لامتصاص الرحيق من الزهور عاد الرسول وعاد البشير، وعاد هذا المندوب إلى المملكة ليخبر بقية النحل في المملكة أنه يوجد مكان مليء بالأزهار في طريق كذا باتجاه كذا بانحراف كذا في بعد كذا في موقع كذا في ارتفاع كذا في انخفاض كذا، هل تعلمون كيف تتكلم النحلة مع بقية النحل، إن لها رقصة معينة، فترقص رقصة مستديرة ثم رقصة مثلثة ثم رقصة مستطيلة وتتحرك بهيئات وحركات يفهم النحل بهذه الحركات بهذه اللغة بهذه الإشارات بكل دقة أين يكمن وأين يوجد حقل الزهور، فتنطلق أسراب النحل إلى هذا المكان وفقاً للإشارات والرقصات والرسوم والحركات التي صورها ذلك الرسول من رسل النحل إلى مرتع الأزهار ليجدوا أنه ما ضل وما زاد وما بعد وما قصر وما ضل وما تاه أبداً.
من الذي علمه؟ ومن الذي فطره؟ ومن الذي هداه؟ الله الذي أحسن كل شيء خلقه ثم هدى.
قل للطبيب تخطفته يد الردى من يا طبيب بطبه أرداكا
قل للمريض نجى وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاكا
قل للصحيح يموت لا من علة من بالمنايا يا صحيح دهاكا
قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها من ذا الذي أهواكا
بل سائل الأعمى خطى بين الزحام بلا اصطدام من يقود خطاكا
قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ولا مرعى ما الذي يرعاكا
قل للوليد بكى وأجهش بالبكا بعد الولادة ما الذي أبكاكا
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاكا
بل سائل اللبن المصفى كان بين دم وفرث ما الذي صفاكا
وإذا رأيت الحي يخرج من حنا يا ميت فاسأله من أحياكا
قل للهواء تحسه الأيدي ويخفى عن عيون الناس من أخفاك
قل للنبات يجف بعد تعهد ورعاية من بالجفاف رماكا
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو وحده فاسأله من أرباكا
وإذا رأيت البدر يسري ناشراً أنواره فسأله من أسراكا
واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد كل شيء ما الذي أدناكا
قل للمرير من الثمار من الذي بالمر من دون الثمار غذاكا
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يا نخل شق نواكا
وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار من أوراكا
وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من أرساكا
وإذا ترى صخراً تفجر بالمياه فسله من بالماء شق صفاكا
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال جرى فسله من الذي أجراكا
وإذا رأيت البحر بالملح الأجا ج طغى فسله من الذي أطغاكا
وإذا رأيت الليل يغشى داجياً فاسأله من يا ليل حاك دجاكا
وإذا رأيت الصبح يسفر ضاحياً فاسأله من يا صبح صاغ ضحاكا
هذى عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحت بها أذناكا
يا أيها الماء المهين من الذي في ظلمة الأحشاء قد سواكا
ومن الذي تعصي ويغفر دائماً ومن الذي تنسى ولا ينساكا
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذي بالله جل جلاله أغراكا
أتراك عيناً والعيون لها مدى ما جاوزته ولا مدى لمداكا
إن لم تكن عيني تراك فإنني في كل شيء أستبين علاكا
نعم أيها الأحبة.
فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد
كان السلف يعرفون من قول الله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:٥] يعلمون ويظنون أن الأرض تخضر وتثمر وتزهر إذا نزل عليها الماء، ثم تقدم العلم واكتشف أهل علم النبات أن الإنسان إذا وضع الحب في الأرض اليابسة لا ينبت الزرع حتى تهتز الأرض درجة واحدة من درجات جهاز رختر، فتنصدع قشرة الحبة فثبت بإذن الله عز وجل، فالله يخبر بذلك قبل ما اكتشفوه وقبل ما أخبروا به قبل أربعة عشر قرناً من الزمان.