للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف بنعمة الله على عباده]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وأطعمنا، وكفانا، وسقانا، وآوانا، ومن كل ما سألناه أعطانا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا لله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم ولسائر الأمم قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:١٣١] ويقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢] ويقول سبحانه أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

معاشر المؤمنين! تقرر أن يُقام في يوم الإثنين القادم صلاة الاستسقاء، وهي مشروعة، يندب الإمامُ الناسَ لها إذا تأخر نزول الغيث، أو احتبس القطر، فالحمد لله على ما شرع؛ ولكن -أيها الأحبة في الله- إن الذي نلاحظه ونشهده أن كثيراً من المسلمين -هداهم الله- لا يلتفتون إلى إقامة هذه الشعيرة، ويتهاونون بها، ويتخلفون عنها، فما السبب يا تُرى؟! قد يظن البعض أن المياه موجودة في منازلهم في علوها وسفلها، والماء متيسر على كل حالة، فلا يشعر بمزيد حاجة إلى نزول القطر من السماء، ويرى البعض أن البحار بأمواجها متلاطمة بالمياه، وأن محطات التحلية منتشرة في كل مكان -ولله الحمد والمنة- والماء يصل عبر هذه المحطات إلى المنازل نعم، هذه نعمة سخرها الله لنا، ونشكر القائمين عليها؛ ولكن هل يعني ذلك أن ننشغل أو نلتفت عن صلاة الاستسقاء، ولا نشهدها؟! لماذا إذا اجتمعنا لصلاة الاستسقاء لا نرى إلا صفين أو ثلاثة؟! هل استغنى البعض عن رحمة ربهم؟! أهم في غنىً عن فضل خالقهم، لا والله، نسأله أن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك.

إن أولئك الذين يظنون أن المياه متوفرة في كل لحظة ومن ثم لا يشعرون بمسيس الحاجة إلى الغيث من السماء، قد يجهلون قول الله جل وعلا: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:٣٠].

والله لو غارت المياه لعجزت قوى الجن والإنس، قوى البشرية بآلاتها ومخترعاتها ومحطاتها، أن تجذب ولو قطرة واحدة من باطن الأرض؛ لأن الله جل وعلا هو الذي خلق هذا الماء، وهو الذي أنزله، وهو القادر على أن يجعله جماداً لا يخرج عبر هذه الأنابيب، وهو القادر على أن يجعله صلباً لا يسيل فيها، وهو القادر على أن يحبسه عن العباد؛ ليعرفوا مدى ضعفهم، وليدركوا حقيقة ذلهم وفقرهم إلى خالقهم: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً} [الفرقان:٥٠].

أيكفرون بنعمة الله؟! أيجحدون فضل الله؟! أهم في غنىً عن هذا الغيث الذي ينزله الله سبحانه وتعالى؟! {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:٦٨ - ٧٠].

من الذي يخلق هذا السحاب، ويجعله متراكماً؟! من الذي يأمر هذا السحاب أن يمطر ماءاً عذباً زُلالاً؟! أليس الذي أمَر ذلك بقادر على أن يجعل هذا العذب الزلال أجاجاً، فلا تستمرئه النفوس، ولا تسيغه الحلوق ولا تقبله؟! أليس الذي أودعه في باطن الأرض قادر على أن يمنعه من الخروج مهما أراد العباد ذلك؟! أليس الذي خلق هذه البحار، وهذه الأنهار، وهذه المحيطات بقادر على أن يمنعها أن تنفذ عبر هذه الآلات والمخترعات إلى أيدي الناس؟! أليس الذي جعل هذه المخترعات قابلة لجذب المياه، وقابلة لتحليتها، أليس قادراً على أن يُبطل مفعولها بكلمة (كُنْ)؟! {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:٤٠].

فالله سبحانه وتعالى بكلمة (كُنْ) قادر على أن يجعل هذه المحيطات جماداً صلباً لا يتحرك.

والله جل وعلا قادر على أن يجعل هذه البحار نيراناً تتأجج، وسيرى الناسُ هذه العلامة يوم القيامة: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار:٣] {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:٦] فيرون الماء ينقلب ناراً وله لهب عظيم، أليس ذلك بقادر على أن يمنعه أن ينفذ إلى العباد؟! إذاً: فيا عباد الله! لا غنى لكم عن فضل خالقكم، ولا استغناء عن رحمة ربكم، فإنكم فقراء إلا بغناه، مساكين إلا برحمته، أذلاء إلا بعزته.

فاسألوا الله جل وعلا الغيث، وتوبوا إليه قبل ذلك، وتوبوا إلى خالقكم قبل ذلك، وقدموا أعمالاً، وتصدقوا، وصوموا، وصلوا، وقوموا.

اسألوا الله جل وعلا أن يتوب عليكم توبة صادقة نصوحاً: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الإسراء:٨].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.