للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تقوى الله عز وجل]

لو درست وتأملت كثيراً من الآيات التي وعد الله فيها المؤمنين بالجنة والنعيم، والثواب والرفعة، والكرامة والرزق الواسع لوجدت أن ذلك قد رتب على التقوى.

وتقوى الله خير الزاد ذخراً وعند الله للأتقى مزيد

ولست أرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقي هو السعيد

ليس من يقطع طرقاً بطلاً إنما من يتقي الله البطل

وقول الله أبلغ: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} [مريم:٦٣]، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} [القمر:٥٤] تجد أغلب وجُلَّ آيات الجنة قد ربطت بتقوى الله عز وجل، وتقوى الله أمرٌ معلوم، أن تعبد الله على نورٍ من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله خشيةً من الله، وخوفاً من عذاب الله.

أيها الأحبة: ليس عجيباً أن نكون أسوياء أمام بعضنا البعض، ليس غريباً أن يكون الواحد أنموذجاً جيداً أمام الآخرين، ولكن التقوى هي صدق هذا النموذج في السر، صدق هذا النموذج يكون إذا أُرخيت الستور، وأُغلقت الأبواب، وأطفئت الأنوار، وخلا الواحد بنفسه، فانظر إن كنت من أهل التقوى أم لا؟ إن التقوى منزلة عظيمة، ولكن جاهد نفسك، فإن المتقين ليسوا قوماً معصومين عن المعصية، وقد ذكر الله عز وجل حال المتقين بقوله: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] من هم المتقون؟ {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ} [آل عمران:١٣٤] فالمتقون ينفقون {وَالضَّرَّاءِ} ينفقون في السراء والضراء: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فالمتقون يكظمون غيظهم: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} فالمتقون يعفون عن الناس: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤] فالمتقون يحسنون: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران:١٣٥] فالمتقون ليسوا بمعصومين أن يقعوا أو أن يزلوا في معصيةٍ أو خطيئة، لكن المتقين إن وقعوا أو زلوا: {ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ} [آل عمران:١٣٥ - ١٣٦] انظروا إلى هذا الجزاء العظيم: {مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٦] هذه التقوى -أيها الأحبة- هي من أعظم الدرجات التي ينال بها العبد جنة الله ورضوانه.