للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صناعة الشخصية المسلمة]

أيها الإخوة: لماذا لا نشتغل في صناعة الشخصية المسلمة، واكتساب القدرة العلمية والعملية؟ لماذا لا نصنع هذه الشخصية بالاقتداء؟ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١] لماذا لا نصنع الشخصية ونشتغل بهذه الصناعة بمصاحبة الأخيار؟ {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:٢٨] صناعة الشخصية بهذا الاقتداء وبهذا الإعداد للدار الآخرة، فإن لم تكن عالي الهمة، وشامخ المطالب فلا أقل من أن تشتغل في مباح، ينفعك أو ينفع أولادك، في تجارة، في رزق حلال يعود عليك، أما أن يترك العبد كل هذا الدين والدنيا الحلال، ثم يشتغل بالحرام فذلك أمر عجيب وغريب.

إن الله قد ذلل هذه الدنيا وما فيها، ذلل الأرض وما عليها: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:١٥].

إن الذين اخترعوا ما أوجدوا معدوماً وإنما اكتشفوا موجوداً، السمع والبصر والفؤاد وسائر العلم والمعرفة لم تشغل بالضياع ولم تشغل بفساد، لما أُشغلت في أمر معلوم ميسور أنتجت خيراً كثيراً، عقول الكفار التي أنتجت الطائرات والمدمرات، والبارجات والصواريخ، والآلات المختلفة إنما هي عقول فيها الدماء، وفيها العصب واللحم والعظم، وأجسام بنفس الحواس والجوارح التي نجدها، لكنها اشتغلت عقول بعضهم بأمر ميسور ذلله الله، فأنتجت ذلك، يوم أن كانوا يشتغلون بما لا سبيل لهم إليه، كانت أوروبا في القرون الوسطى وعصور الظلام تعيش جهلاً مطبقاً، فلما دعا داعيهم ونادى مناديهم وقال: دعونا نشتغل بهذه الدنيا التي بين أيدينا، طيور تطير كيف نطير مثلها؟ أسماك تغوص كيف نبحر مثلها؟ فأعملوا عقولهم فيما ينفعهم فأنتجت.

أما عقول تضل باللهو وبالفساد، وهمم لا تتعدى الملاعب والفن، والكرة والطرب، والأهواء والشهوات، والسفر في معصية الله، ثم بعد ذلك ننتظر أمة معطاءة، أمة منافسة، نحن أمة على خطر إن لم نتمسك بهذا الدين، لئن كان نصرنا في كثرتنا فإن الأعداء أكثر منا، بل إن أوروبا قد دخلت مرحلة الولاء: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٣] الولاء بين دول أوروبا قائم الآن، ويسعون إلى توحيد العملة في كافة أنحاء أوروبا، والسوق الأوروبية المشتركة نوع من الولاء الكافر.

فإن كانت بالكثرة فالكفار: أوروبا وحدها أكثر، أمريكا أكثر، البوذ أكثر، الهندوس أكثر، فلئن كانت بالصواريخ والصناعة والإنتاج والمكتشفات والطائرات، فقد تقدمونا بوناً شاسعاً، وبيننا وبينهم فرق واسع، ولئن كانت بالمعتقد فعندنا عقيدة لئن فرطنا فيها لنكونن أهون الأمم على وجه الأرض، ولنكونن أهون عند الله من الجعلان والجنادل والتراب.