اتضح مما تقدم أن الشيطان يتسلط على ابن آدم بالإغواء وهذا باتفاق، وهل يتسلط عليه بالإضرار أيضًا؟ قال المعتزلة: ليس له ذلك لقوله تعالى عنه "وما كان لي عليك من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي" وقال أهل السنة: إنه قد يتسلط عليه بالهلاك والإضرار في جسمه وعقله، وهذا ثابت بالكتاب والسنة والواقع المشاهد، أما الكتاب فقوله تعالى ﴿الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس﴾ أي كالذي مسه الشيطان وصرعه فصار يتخبط يمينًا وشمالًا كالمجنون، وقوله تعالى ﴿من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس﴾، وأما السنة فمنها قوله ﷺ: فناء أمتي بالطعن والطاعون وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة، رواه أحمد والطبراني أي من أسباب هلاكها الطعن بالخراب ونحوها في الجهاد ونحوه والطاعون الذي هو ضرب الجن لبعض الناس والميت بأحدها شهيد، ومنها ما سبق في الاستحاضة لما قالت حمنة بنت جحش: يا رسول الله إني استحاض حيضة كثيرة شديدة، قال: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان أي ضربة من ضرباته، ومنها قوله: ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخًا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه ﵉ وسبق هذا في ذكر عيسى في النبوة. ومنها قوله ما في الاعتكاف السابق: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، ومنها ما سبق في الطب: أن امرأة سوداء كانت تصرع وتتكشف أحيانا فاستغاثت بالنبي ﷺ أن يدعو لها فلا تتكشف فدعا لها، ومنها ما رواه الإمام أحمد عن أم أبان بنت الوازع عن أبيها عن جدها قالت: انطلق جدى إلى النبي ﷺ بابن له أو ابن أخت له فقال: يا رسول الله إن هذا مجنون أتيتك به لتدعو الله له، قال قربه مني واجعل ظهره لي؛ قال: ففعل فأخذ النبي ﷺ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله فجعل يضرب ظهره ويقول: اخرج عدو الله؛ فصار المريض ينظر نظره الصحيح لا نظره الأول، ثم حول وجهه نحوه ودعا بماء فسح به وجهه ودعا له، قال جدي: فلم يكن في الوفد بعد هذا أفضل ولا أحسن منه، وللإمام أحمد أيضًا عن يعلى بن مرة قال: خرجت مع النبي ﷺ مرة في سفر فلا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة ومعها صي لها فقالت: يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء فإنه يصرع في اليوم أكثر من مرة، قال: ناولينيه؛ فأعطته له ففتح فه فنفث فيه ثلاثة وقال: باسم الله أنا عبد الله اخسأ عدوَّ الله. وفي بعض الروايات: اخرج عدو الله أنا رسول الله ثم أعطاء للمرأة وقال تنتظريننا هنا ونحن راجعون فتخبرينا بما فعل، قال تعالى: فذهبنا ثم عدنا إلى هذا المكان فوجدناها ومعها ثلاث شياه؛ فقال ﷺ: ما فعل صبيك؟ قالت: والذي بعثك بالحق ما رأينا منه شيئًا إلى هذه الساعة وخذ من هذه الشياه، فقال رسول الله ﷺ: انزل فخذ منها واحدة ورد لها البقية. فهذه سبعة أحاديث صريحة في تسلط الشيطان على الإنسان بالأذى نعوذ بالله منه، وأما الواقع من هذا فكثير ومشاهد حتى إن عبد الله بن الإمام أحمد ﵄ سأل والده كما في آكام المرجان فقال: يا والدي إن قوما يقولون إن الجني لا يدخل بدن المصروع من الإنس؛ فقال: