للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعناه أن الزمان كما تأخر نقصت أعمار أهليه، لكن الله تعالى عوضهم عما نقص من أعمارهم ما تراه يزيد في عقولهم حتى ترى الأطفال الصغار ينجم فيهم التمييز والإدراك قبل إِبَّانه من أسلافهم، ثم كما شبوا كانت الفطنة والذكاء أتم فيهم من ذوي أسنانهم من السلف، لكن ترى أكثر ذكاء الشبان في هذه الأزمان مصروفة إلى اللهو واللعب، وسائر أمور الدنيا، وما لا يجدي منها إلا من شذ منهم ممن وفقه الله تعالى، والموفق في هذه الأزمنة وإن كان عزيزاً قليلاً فإن ثوابه كثير جليل؛ إذ صح الحديث بأن للعامل في زمان الصبر أجر خمسين من السلف، وهذا الزمان هو زمان الصبر والقبض على الجمر (١)، صبيهم عارم، وشابهم ظالم صارم، وشيخهم جهول، لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، بل الآباء والأولياء يرضون ممن في حجرهم وولايتهم بما هم فيه، لا يرشدونهم إلى صرف عقولهم فيما ينفعهم في آخرتهم.


(١) روى أبو داود (٤٣٤١)، والترمذي (٣٠٥٨)، وابن ماجه (٤٥١٤) عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال أية آية؟ قلت: قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: ١٠٥] قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فإن من ورائكم أيامًا الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عملكم".

<<  <  ج: ص:  >  >>