للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى عبد الله ابن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد" عن يوسف بن يعقوب الحنفي قال: بلغنا أن الله عز وجل يقول: يا أوليائي! طال ما نظرت إليكم في الدنيا وقد قَلَصَتْ شفاهكم عن الأشربة، وغارت أعينكم، وَخَمصَت بطونكم؛ فكونوا اليوم في نعيمكم، وكلوا واشربوا هنيئًا بما أسلفتم في الأيام الخالية (١).

وروى الإِمام أحمد في "الزهد"، وابن أبي الدنيا في كتاب "الأولياء" عن وهب بن منبه قال: قال الحواريون لعيسى بن مريم عليهما السلام: مَنْ أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟

قال عيسى عليه السلام: الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، والذين نظروا إلى آجل الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، وأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم، وتركوا ما علموا أن سيتركهم، فصار استكثارهم منها استقلالاً، وذكرهم إياها فواتاً، وفرحهم بما أصابوا منها حزنا، فما عارضهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها بغير حق وضعوه، خلقت الدنيا عندهم فليسوا يجددونها، وخربت بينهم فليسوا يعمرونها، وماتت في صدورهم فليسوا يحبونها، يهدمونها فيبنون بها آخرتهم، ويبيعونها فيشترون بها ما يبقى لهم، رفضوها فكانوا برفضها فرحين، وباعوها فكانوا ببيعها رابحين، ونظروا إلى أهلها صرعى قد خلت فيهم المَثُلات، فأحبوا ذكر الموت، وأماتوا ذكر الحياة، يحبون الله


(١) ورواه الثعلبي في "التفسير" (١٠/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>