للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل ناداني مناد، فقال: لا تدور القلوب في الغيوب حتى تذوب النفوس من مخافة فوت المحبوب، فعجبت، فقلت: أَجِنِّيٌّ أنت أم إِنْسِيٌّ؟ فقال: بل جني يؤمن بالله سبحانه، ومعي إخواني، فقلت: وهل ما عندك عندهم؟ قال: وزيادة.

قال: فناداني الثاني منهم، فقال: لا تذهب من البدن الفترة إلا بدوام الفكرة، قال: فقلت: ما أنفعَ كلامَ هؤلاء، فناداني الثالث، فقال: من أَنِسَ به في الظلام نشر له غداً الأعلام، قال: فصعقت، فلما أفقت فإذا أنا بنرجسة، فشممتها، فذهب ما كان بي من الوحشة، واعتراني الأُنس، فقلت: وصية - رحمكم الله تعالى -، فقالوا: إِيْ؛ أبى الله أن يحيي بذكره، ويأنس به إلا قلوب المتقين، فمن طمع في غير ذلك فقد طمع في غير مطمع، ومن اتبع طبيباً مريضاً دامت علته، ومن اتبع الدليل الحائر رجع وهو كليل.

قال: وودعوني، ومضوا، وقد أتى عليَّ حينٌ وأنا أرى برد كلامهم في خاطري.

وفي رواية: فلا أزال أرى بركات كلامهم في خاطري (١).

وذكر ابن خميس عن أبي سعيد الخزاز رحمه الله تعالى قال: بقيت إحدى عشرة سنة أتردد من مكة إلى المدينة، ومن المدينة إلى مكة أريد أن أحج حجة لا أرى فيها مكة، وأرى رب مكة، فما صح لي منه نفس، فلمَّا كان بعد إحدى عشرة سنة أنا راجع من المدينة إلى


(١) ورواه ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد" (١٨/ ٣٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>