للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: أراد عثمان بقوله: (لا تخبر بهذا أحداً) أن لا يسمعه الناس من ابن عمر، فيتقاعدوا عن القضاء، فيتعطل هذا المنصب، وتضيع مصالح المسلمين لأنهم كانوا في غاية الخوف على دينهم، وكان الإِسلام إذ ذاك في عزَّة، والناس في رغبة إلى الانقياد إلى أحكامه والاتصاف بأخلاقه.

وأما الآن فلو سمعوا مثل ذلك أضعافاً ما منعهم عن طلب القضاء فضلَّا عَن الفرار منه، بل هم الآن يبذُلون الأموال في مقابلة الولايات استكثارًا لها، وتوصلَّا إلى أموال الناس.

ومن محاسن الشيخ زين الدين بن الوردي رحمه الله تعالى: [من مجزوء الخفيف]

قِيلَ [لي] ابْذُلِ الذَّهَبْ ... تتَوَلَّ قَضا حَلَبْ

قُلْتُ هُمْ يُحْرِقُوننِي ... وَأَنا أَحْمِلُ الْحَطَبْ (١)

ومن لطائف الفرار من ولاية القضاء لعزَّة الخلاص من فتنته: ما رواه أبو نعيم عن شجاع بن الوليد قال: كان فيمن قبلكم رجل حلف لا يتزوج امرأة حتى يستشير مئة نفس، وإنه استشار تسعة وتسعين رجلًا فاختلفوا عليه، فقال: بقي واحد وهو أول من يطلع من هذا الفج، فآخذ بقوله ولا أعدوه، فبينما هو كذلك إذ طلع عليه رجل يركب قصبة، فأخبره بقصته، فقال له: النساء ثلاث: فواحدة لك، وواحدة عليك،


(١) انظر: "الدرر الكامنة" لابن حجر (٤/ ٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>