للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضاً: فإن الدنيا لو كانت لها عند الله قيمة لخص بها أولياءه من أهل العلم والفضل.

وفي الحديث: "لَوْ كانَتِ الدُّنْيا تُساوِي عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوْضَةٍ ما سَقى كافِراً مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ" (١).

وأيضاً: لو أن الله تعالى جعل الرزق وسعته وطيب عيشه على الفضل والكمال والعلم، لم يكن للبهائم فيها نصيب كما قالت الحكماء: لو جرت الأقسام على قدر العقول لم تعش البهائم (٢).

فنظمه أبو تمام، فقال: [من الطويل]

يَنالُ الفَتَى مِنْ عَيْشِهِ وَهْوَ جاهِلٌ ... ويُكدي الفَتَى مِنْ دَهْرِهِ وَهْوَ عالِمُ

وَلَوْ كانَتِ الأَرْزاقُ تَجْريِ عَلى الْحِجى ... هَلَكْنَ إِذاً مِنْ جَهْلِهِنَّ البَهائِمُ

فاقتضت الحكمة الإلهية والكرم الربوبي شمول رزقه لخلقه، وتوسعة الرزق تارة إحساناً إلى المحسن وبَرًّا به، وإملاءً للمسيء ومكراً به، وتضييقه تارة تمحيصاً للمؤمن وحماية له من بطر المعيشة، وطغيان النفس، وعقوبةً للفاجر، وتأديباً للمخلط ليرجع إلى الإخلاص، ويعود


(١) تقدم تخريجه.
(٢) انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>