للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البلاغة]

١ - الاستعارة التصريحية التحقيقية: في قوله تعالى «أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ» حيث شبه الباطل والنفاق بشفا جرف هار، في قلة الثبات. ثم أستعير لذلك.

والقرينة هي: وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى.

وقوله تعالى «فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ» ترشيح.

٢ - الاستعارة المكنية: في قوله تعالى «أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ» حيث شبهت فيه التقوى بقواعد البناء، تشبيها مضمرا في النفس.

ودل عليه ما هو من روادفه ولوازمه، وهو التأسيس والبنيان.

[الفوائد]

تجسيد المعنويات لقد بلغ القرآن الكريم شأوا بعيدا في إعجاز كلامه، وتجسيد المعاني. وفي هذه الآية دليل على ذلك؛ فالإيمان والتقوى مفهومان معنويان، ولكن القرآن يجسدهما عند ما يشبههما بالبنيان، وكذلك الضلال يجسده تعالى بكلمة (بنيان)؛ ثم يعقد مقارنة بين البناءين، فيقول تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ} هنا يجسد الإيمان ببنيان أساسه التقوى ورضوان الله، فنتصوره بناء متينا راسخا، موصولا بعناية الله. أما الكافرين، فبنيانهم على حافة هاوية منهارة. وهنا يبلغ التصوير الفني منتهاه في الإبداع والتخييل والتجسيد، فها نحن مع بنيان الكفر، وهو على حافة، فهو مخلخل يوشك أن يتهاوى والحافة على جانب هاوية سحيقة، فهو بناء يحمل الخطر والموت، وإذا بالبناء ينهار بصاحبه في نار جهنم، فقد لمسنا بالعين والحس والخيال صورة الكفر الفاسدة المتداعية المتساقطة التي لا تستند إلى دعائم ولا تقوم على أساس إلا أساس من التخلخل والتصدع والاهتزاز، فتتهاوى في الجحيم؛ هنا يبرز فن التعبير والتصوير، بتجسيده المعاني ضمن إطار من الصور والمرئيات والمحسوسات، بصورة متكاملة متناهية. وذلك إعجاز كلام الله عز وجل وبلوغه المنتهى، والكمال!

<<  <  ج: ص:  >  >>