للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي محيط المحيط: التفليف عند البلغاء، هو التناسب، وهو عبارة عن إخراج الكلام مخرج التعليم بحكم أو أدب، لم يرد المتكلم ذكره، وإنما قصد ذكر حكم داخل في عموم المذكور الذي صرّح بتعليمه؛ وأوضح من هذا أن يقال: إنه جواب عام، عن نوع من أنواع جنس تدعو الحاجة إلى بيانها كلها، فيعدل المجيب عن الجواب الخاص عما سئل عنه من تبيين ذلك النوع، إلى جواب عام يتضمن الإبانة على الحكم المسئول عنه وعن غيره مما تدعو الحاجة إلى بيانه.

فإن قوله «ما كانَ مُحَمَّدٌ» جواب عن سؤال مقدر، وهو قول قائل: أليس محمدا أبا زيد بن حارثة؟ فأتى الجواب يقول: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، وكان مقتضى الجواب أن يقول: ما كان محمد أبا زيد، وكان يكفي أن يقول ذلك، ولكنه عدل عنه ترشيحا للإخبار بأن محمدا (صلّى الله عليه وسلّم) خاتم النبيين، ولا يتم هذا الترشيح إلا بنفي أبوته لأحد من الرجال، فإنه لا يكون خاتم النبيين إلا بشرط أن لا يكون له ولد قد بلغ، فلا يرد أن له الطاهر والطيب والقاسم، لأنهم لم يبلغوا مبلغ الرجال. ثم احتاط لذلك بقوله: {مِنْ رِجالِكُمْ}، فأضاف الرجال إليهم لا إليه، فالتف المعنى الخاص في المعنى العام، وأفاد نفي الأبوة الكلية لأحد من رجالهم، وانطوى في ذلك نفي الأبوة لزيد. ثم إن هناك تلفيفا آخر، وهو قوله «وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ» فعدل عن لفظ نبي إلى لفظ رسول، لزيادة المدح، لأن كل رسول نبي ولا عكس، على أحد القولين، فهذا تلفيف بعد تلفيف.

[الفوائد]

- بعض أحكام لكن:

من المعلوم أن (لكن) المخففة هي حرف استدراك، وأحيانا تأتي عاطفة، وقد اختلف النحاة في نحو: (ما قام زيد ولكن عمرو) على أربعة أقوال:

١ - ما قاله يونس: إن لكن غير عاطفة، والواو عاطفة مفردا على مفرد.

٢ - ما قاله ابن مالك: إن (لكن) غير عاطفة، والواو عاطفة لجملة حذف بعضها على جملة صرح بجميعها. قال: فالتقدير في نحو: (ما قام زيد ولكن عمرو) ولكن قام

<<  <  ج: ص:  >  >>