قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) إن الله سبحانه وتعالى يخرج قوما من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة، وفي رواية أن الله يخرج ناسا من النار فيدخلهم الجنة. أخرجه البخاري ومسلم. وأما الاستثناء الثاني المذكور في أهل السعادة، فيرجع إلى مدة لبث هؤلاء في النار قبل دخولهم الجنة، فعلى هذا القول يكون معنى الآية: فأما الذين شقوا ففي النار، لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، إلا ما شاء ربك أن يخرجهم منها فيدخلهم الجنة. {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ} أن يدخلهم النار أولا ثم يخرجهم منها فيدخلهم الجنة، فحاصل هذا القول أن الاستثناءين يرجع كل واحد منهما إلى قوم مخصوصين، هم في الحقيقة سعداء، أصابوا ذنوبا استوجبوا بها عقوبة يسيرة في النار، ثم يخرجون منها فيدخلون الجنة، لأن إجماع الأمة على أن من دخل الجنة لا يخرج منها أبدا. وقيل: إن الاستثناءين يرجعان إلى الفريقين السعداء والأشقياء، وهو مدة تعميرهم في الدنيا، واحتباسهم في البرزخ، وهو ما بين الموت إلى البعث، ومدة وقوفهم للحساب. وقيل معنى {إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ}: سوى ما شاء ربك، فيكون المعنى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة على ذلك. وهو كقولك لفلان عليّ ألف إلا ألفين، أي سوى ألفين. وقيل: إلا بمعنى الواو، يعني وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وخلود هؤلاء في الجنة. وقيل: لو شاء ربك لأخرجهم منها، ولكنه لم يشأ، لأنه حكم لهم بالخلود فيها. قال الفراء: هذا استثناء استثناه الله ولا يفعله. والصحيح هو القول الأول عن ابن عباس. ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى «إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ» بإخراج من أراد من النار وإدخالهم الجنة.