من هو الذبيح؟ أفادت الآية أن رؤيا الأنبياء حق، وقد اختلف العلماء أيّ ولدي إبراهيم هو الذبيح. فقال طائفة منهم هو «إسحاق» وإلى ذلك ذهب عمر وعلي وابن مسعود والعباس وكعب الأحبار وسعيد بن جبير وغيرهم رضي الله عنهم. واختلفت الروايات عن ابن عباس على قولين: أحدهما إسماعيل وثانيهما إسحاق، ومن قال بأنه إسحاق قال: كانت هذه القصة بالشام. وروي عن سعيد بن جبير قال: رأى إبراهيم ذبح إسحاق في المنام، وهو بالشام، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة، حتى أتى به المنحر من منى، فلما أمره الله بذبح الكبش ذبحه، وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة، طويت له الأودية والجبال. والقول الثاني: أنه إسماعيل، وإليه ذهب عبد الله بن سلام والحسن وسعيد بن المسيب والشعبي ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي ورواية عطاء بن أبي رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس قال المفدي إسماعيل وكلا القولين يروى عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلم). واحتج من ذهب إلى أن الذبح إسحاق بقوله تعالى {فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} فلما بلغ معه السعي أمر بذبح من بشر به، وليس في القرآن أنه بشر بولد سوى إسحاق، وكانت البشارة بعد قصة الذبح، فدل ذلك على أن الذبيح هو المبشّر به، واحتج من ذهب إلى أن الذبيح هو إسماعيل بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحق بعد الفراغ من قصة الذبيح، فقال تعالى {وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ} فدل على أن المذبوح غيره، وأيضا فإن الله تعالى قال في سورة هود {فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بولد له هو يعقوب، ووصف إسماعيل بالصبر دون إسحاق في قوله:{وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصّابِرِينَ} وهو صبره على الذبح، ووصفه بصدق الوعد في قوله {إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ} وعد أباه بالصبر على الذبح فوفى بوعده، وسأل عمر بن عبد العزيز يهوديا أسلم وحسن إسلامه: أي ولدي إبراهيم أمره الله تعالى بذبحه، فقال: إسماعيل. وقال الأصمعي سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال: يا أصمعي، متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان