فجاءهم رسول الله/صلّى الله عليه وسلّم/وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بدو، وكان حريصا، يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم. فقالوا له:
يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفّهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فما بقي أمر قبيح الا قد جئته فيما بيننا وبينك. أو كما قالوا له، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالا، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نسوّدك علينا؛ وان كنت تريد به ملكا، ملكناك علينا؛ وان كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه، قد غلب عليك-وكانوا يسمون التابع من الجن رئيا-فربما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطلب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك.
فقال لهم رسول الله/صلّى الله عليه وسلّم/:
ما بي ما تقولون. ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولا، وأنزل علي كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم، فان تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليّ، أصبر لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم، أو كما قال/صلّى الله عليه وسلّم/قالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا شيئا مما عرضناه عليك، فإنك قد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلدا، ولا أقل ماء، ولا أشد عيشا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به، فليسيّر عنا هذه الجبال التي ضيّقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليخرق لنا فيها أنهارا كأنهار الشام، وليبعث لنا ما مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا قصيّ بن كلاب، فإنه كان شيخا صدوقا؛ فنسألهم عما تقول، أحق هو أم باطل، فإن صدقوك وصنعت ما سألناك صدقناك، وعرفنا به منزلتك من الله تعالى، وأنه بعثك رسولا كما تقول، فقال لهم/صلّى الله عليه وسلّم/ما بهذا بعثت إليكم، إنما جئتكم من الله تعالى بما بعثني به، وقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم؛ فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله، حتى يحكم الله بيني وبينكم. قالوا: فإذا لم تفعل هذا لنا فخذ لنفسك،