التبعيض والتقليل من التنكير، وكما يرد للتقليل من شأن المنكر، فكذلك يرد للتعظيم من شأنه، فظاهر قوله «وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً» في سياق الامتنان تعظيم العلم الذي أوتياه، كأنه قال: علما أي علم، وهو كذلك، فإن علمهما كان مما يستعظم ويستغرب، ومن ذلك علم منطق الطير وسائر الحيوانات الذي خصهما الله تعالى به وكل علم بالاضافة إلى علم الله تعالى قليل ضئيل.
٢ - استعمال حرف الجر: في قوله تعالى {حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ}.
فعدّى أتوا بعلى لأن الإتيان كان من فوق، فأتى بحرف الاستعلاء. وقد رمق أبو الطيب المتنبي هذه السماء العالية فقال:
فلشد ما جاوزت قدرك صاعدا... ولشدّ ما قربت عليك الأنجم
وقال: عليك، دون: إليك، لأن قرب الأنجم من جهة العلو.
٣ - الاستعارة التمثيلية: في قوله تعالى {قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ}.
كأنها، لما رأتهم متوجهين إلى الوادي، فرت عنهم، مخافة الهلاك، فتبعها غيرها، وصاحت صيحة تنبهت بها ما بحضرتها من النمل فتبعتها. فشبه ذلك بمخاطبة العقلاء ومناصحتهم، ولذلك أجروا مجراهم، حيث جعلت هي قائلة وما عداها من النمل مقولا له، فيكون الكلام خارجا مخرج الاستعارة التمثيلية، ويجوز أن يكون استعارة مكنية.
٤ - جناس التصريف: في قوله تعالى {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}:
وجناس التصريف: هو اختلاف صيغة الكلمتين، بإبدال حرف من حرف، إما من مخرجه، أو من قريب من مخرجه، وهو من محاسن الكلام الذي يتعلق باللفظ، بشرط أن يجيء مطبوعا، أو يصنعه عالم بجوهر الكلام، يحفظ معه صحة المعنى وسداده؛ ولقد جاء هاهنا زائدا على الصحة فحسن، وبدع لفظا ومعنى. ألا ترى أنه لو وضع مكان بنبإ بخبر، لكان المعنى صحيحا، وهو كما