للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رائعا، ويجسدها كأنها حياة متحركة تمر أمامنا، ويتملاّها حسّنا وفكرنا وتصوّرنا، وعلاوة على ذلك فإن الألفاظ بجرسها وإيقاعها تساعد على رسم الصورة وإعطائها أبعادها؛ وقد جاءت هذه السورة من هذا القبيل، ففي مطلعها رسمت لنا صورة الخيل المغيرة الماضية إلى الجهاد، فجاء التعبير مصورا مبرزا لتلك الصورة، فلنتصور هذين المصدرين بإيقاعهما وجرسهما (ضبحا، قدحا) فإنهما يصوران عنف الخيل الماضية إلى الجهاد، واستعمال الصفات التالية: (العاديات-الموريات-المغيرات) فإنها تكمل الصورة وتمنحها بعدها المعنوي والنفسي؛ وفي قوله تعالى: {(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً. فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً)} تكتمل الصورة، ونحس بالحركة والحياة تسري من خلال هذا التعبير الرائع، ومن تناسق التعبير في هذه السورة، فإننا لاحظنا كيف كان مطلعها يتسم بقصر الفواصل، وشدة التعبير التي تناسب صورة الخيل والمعمعة والعجاج؛ أما في قسمها الثاني، عند ما لجأت إلى التعبير عن جحود الإنسان وحبه للمال، فإن التعبير هدأ وطال، ليناسب المقام {(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ}.

{وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)}، ثم رجع ليلائم مشهد القيامة والحساب. كما نلاحظ أن الأفعال بجرسها، ترسم مشهد القيامة وعنفوانه: {(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ)} فالفعلان: (بعثر) يعبر عن عنف القيامة وشدة الأمر، و (حصّل) يعبر عن التحصيل بشدة؛ ومن هنا نلاحظ الدقة في استخدام الفعل ليعبر عن المعنى المطلوب بدقة متناهية، كما نلاحظ الحركة والحياة التي تسري في كلمات القرآن الكريم، وهذا سر من أسرار الإعجاز في كتاب الله عز وجل.

انتهت سورة «العاديات» ويليها سورة «القارعة»

<<  <  ج: ص:  >  >>