قال الزمخشري: في هذه الآية دليل على إبطال الكرامات، لأن الذين تضاف إليهم الكرامات، وإن كانوا أولياء مرتضين، فليسوا برسل. وقد خص الله الرسل-من بين المرتضين-بالاطلاع على الغيب. وفيه أيضا إبطال الكهانة والتنجيم، لأن أصحابها أبعد شيء في الارتضاء، وأدخله في السخط. قال الواحدي: وفي هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون، من حياة أو موت، ونحو ذلك، فقد كفر بما في القرآن.
فأما الزمخشري، فقد أنكر كرامات الأولياء، جريا على قاعدة مذهبه في الاعتزال، ووافق الواحدي وغيره من المفسرين في إبطال الكهانة والتنجيم. قال الامام فخر الدين: ونسبة الآية إلى الصورتين واحدة، فإن جعل الآية دالة على المنع من أحكام النجوم فينبغي أن يجعلها دالة على المنع من الكرامات. قال: وعندي أن الآية لا دلالة فيها على شيء من ذلك، والذي تدل عليه أن قوله (فلا يظهر على غيبه أحدا) ليس فيه صيغة عموم، فيكفي في العمل بمقتضاه أن لا يظهر الله تعالى خلقه على غيب واحد من غيوبه، فتحمله على وقت وقوع القيامة، فيكون المراد من الآية أنه تعالى لا يظهر هذا الغيب لأحد، فلا يبقى في الآية دلالة على أنه لا يظهر شيئا من الغيوب لأحد. ثم إنه يجوز أن يطلع الله على شيء من المغيبات غير الرسل. والذي ينبغي أن مذهب أهل السنة إثبات كرامات الأولياء، خلافا للمعتزلة، وأنه يجوز أن يلهم الله بعض أوليائه وقوع بعض الوقائع في المستقبل، فيخبر به. ويدل على صحة ذلك ما
روي عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): لقد كان فيمن كان قبلكم من الأمم ناس محدّثون ملهمون.
وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم): أنّه كان يقول: قد كان يكون في الأمم قبلكم محدّثون، فإن يكن من أمتي منهم أحد، فإن عمر بن الخطاب منهم. ففي هذا إثبات لكرامات الأولياء. وما جاز أن يكون معجزة لنبي صح أن يكون كرامة لولي. والفرق بينهما: أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي، ولا يجوز للولي أن يدعي خرق العادة مع التحدي، إذ لو