للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[شرح حديث: (أخذ الجزية من مجوس هجر)]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد بن مسرهد عن سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يحدث عمرو بن أوس وأبا الشعثاء قال: كنت كاتباً لـ جزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس إذ جاءنا كتاب عمر رضي الله عنه قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة، فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله، وصنع طعاماً كثيراً فدعاهم فعرض السيف على فخذه فأكلوا ولم يزمزموا، وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر)].

أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا هو الشاهد للترجمة من جهة أخذ الجزية من المجوس، وأن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدلنا على مشروعية أخذ الجزية من المجوس، ومن أهل العلم من قال: إنهم ألحقوا بأهل الكتاب لأنه كان لهم دين وكتاب، ومنهم من يقول: إنهم كفار يعبدون النار، والرسول صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية منهم، فدل على أن الجزية تؤخذ من غير أهل الكتاب، فتؤخذ من العرب والعجم، ويدل عليه حديث بريدة بن الحصيب الطويل الذي في صحيح مسلم وفي أوله: (كان إذا أمر أميراً أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، وقال: اغزوا باسم الله) إلى آخر الحديث، وفيه: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى الإسلام فإن أبوا فاطلب منهم الجزية فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم) وهذا يدل على مشروعية أخذ الجزية من عموم الكفار، وأن الأمر ليس مقصوراً على أهل الكتاب.

قوله: (اقتلوا كل ساحر) هذا فيه بيان أن الساحر حده أن يقتل.

وقوله: (وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس) يعني: إذا كان المجوسي متزوجاً بقريبته كبنته أو أخته أو عمته أو خالته أو ما إلى ذلك مما هو موجود عند المجوس؛ فإنه يفرق بينهم، ولا يقر هذا الزواج.

قوله: (وانهوهم عن الزمزمة) قالوا: إن الزمزمة هي كلام بينهم وبين أنفسهم عندما يجلسون للأكل، فكان المجوسي يكلم نفسه عند الأكل فنهاهم عن ذلك.

قوله: [فقتلنا في يوم ثلاثة سواحر، وفرقنا بين كل رجل من المجوس وحريمه في كتاب الله].

يعني: أنهم نفذوا ما جاء في كتاب عمر، وأنهم في يوم واحد قتلوا ثلاثة من السحرة، وفرقوا بين كل رجل من المجوس وبين حريمه في كتاب الله، يعني: على ما هو محرم في كتاب الله من المحارم، فإذا كان المجوسي تزوج بأخته أو ابنته أو عمته أو خالته أو من هي محرم من محارمه فإنهم فرقوا بين هذا الرجل وبين من هو محرم لها.

قوله: [وصنع طعاماً كثيراً فدعاهم فعرض السيف على فخذه].

يعني: جعل السيف على فخذه مهدداً لهم، حتى لا تحصل منهم الزمزمة، فأكلوا ولم يزمزموا خوفاً من السيف.

قوله: [وألقوا وقر بغل أو بغلين من الورق].

الوقر: هو الحمل الذي يكون على البغل أو الحمار، ويكون طرفاه على جانب الحمار أو البغل.

قال في الشرح: يريد أخلة من الورق يأكلون بها يعني: يستعملونها في الأكل، فإما أن تكون أخلة أو وسيلة يؤكل بها كالملاعق أو ما إلى ذلك، والأخلة جمع خلال، والخلال هو الذي تخلل به الأسنان، ولعلها كانت مصنوعة من الورق.

وقال في النهاية: الوقر بكسر الواو: الحمل، وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار يريد حمل بغل أو بغلين أخلة -جمع خلال- ما تخلل به الأسنان من الفضة، كانوا يأكلون بها الطعام فأعطوها ليمكنوا بها من عادتهم في الزمزمة.

وآنية الذهب والفضة لا يجوز استعمالهما في الأكل، لكن لعل المقصود أنه خلال مثل الشوك الذي يغمز به الطعام الذي يراد أكله.

قوله: [ولم يكن عمر رضي الله عنه أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها من مجوس هجر)].

هذا الحديث فيه أخذ الجزية من المجوس، وأن عمر رضي الله عنه وأرضاه لم يكن يأخذها حتى بلغه هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه، وهجر من أعمال البحرين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>