[شرح حديث:(أهلي بالحج ثم حجي واصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ولا تصلي)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً رضي الله عنه قال: (دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة رضي الله عنها ببعض هذه القصة، قال: عند قوله: وأهلي بالحج، ثم حجي واصنعي ما يصنع الحاج غير ألا تطوفي بالبيت ولا تصلي)].
سبقت جملة من الأحاديث التي تتعلق بالإفراد، وعرفنا التوفيق بينها وبين ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من أنه كان قارناً، وعرفنا كيف تحمل، فمر معنا جملة من الأحاديث عن عائشة، ومر حديث عن جابر رضي الله عنه، وهذا هو الحديث الثاني من الأحاديث التي جاءت عن جابر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وقد أحاله على الحديث الذي قبله، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عائشة وقد حاضت وهي تبكي، فقال لها:(أهلي بالحج، ثم حجي واصنعي ما يصنع الحاج) أي: أنها تُدخل الحج على العمرة، وتفعل جميع ما يفعل الحاج، قال:(غير ألّا تطوفي بالبيت، ولا تصلي)، ومعلوم أن المرأة الحائض لا تصلي، وقد جاء ذلك في حديث عائشة المعروف عندما سئلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة:(كنا نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة) ومعنى ذلك: أننا نتبع السنن، ونعول على ما جاءنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يقال أيضاً: إن المقصود بهذه الصلاة التي تكون بعد الطواف، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يطوف يصلي ركعتين، ومعلوم أن الحائض لا تصلي مطلقاً سواء أكانت الصلاة فرضاً أو نفلاً، كما أنها لا تصوم إلا أنها تقضي الصوم، وأما الصلاة فلا تقضيها، وسبق أن مر الكلام عن طهر عائشة متى كان، وقد مر بنا حديثان أحدهما: أنها لما كانت ليلة الحصبة طهرت، فأمرها بالذهاب إلى التنعيم فاعتمرت، وفي رواية سابقة:(فلما كانت ليلة البطحاء طهرت)، وقد حصل إشكال في ذلك، ولكن جاء التصريح أن عائشة رضي الله عنها إنما طهرت يوم النحر، فقد جاء في صحيح مسلم:(فلما كان يوم النحر طهرت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فأفضت)، فقد طافت وأفاضت يوم النحر، وعلى هذا فالروايات التي سبق ذكرها محمولة على الحال كما سبق أن أشرنا إلى ذلك فيما يتعلق بليلة الرابع عشر، (فلما كانت ليلة الحصبة وقد طهرت) أي: والحال أنني قد طهرت، وليس معنى ذلك أنها طهرت في ذلك الوقت، بل قد طهرت قبل ذلك، وعلى هذا فالذي جاء في صحيح مسلم أنها طهرت يوم النحر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها فأفاضت، فيه بيان الوقت الذي طهرت فيه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فعلى هذا كانت في اليوم الثامن بمنى وعليها الحيض، وفي يوم عرفة وعليها الحيض، وفي ليلة النحر وعليها الحيض، وطهرت يوم النحر وطافت، فيحمل ما سبق على ما ذكرناه.
وما جاء من أمر النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تنقض رأسها وتغتسل فذلك للإحرام؛ لأن الحيض لم ينته إلا يوم النحر، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل الحج على العمرة عندما ذهب الناس إلى الحج، فقد جاء وقت الحج وهي لم تطهر بعد، فأمرها أن تدخل الحج على العمرة وتكون قارنة.